سلطة لاستعادة اليمن ..
للأسف الشديد يتم التعاطي مع أزمة اليمن بنوع من العبث والاستهتار والمخاتلة أيضًا ، فالأزمة سياسية وأسبابها واضحة وجلية منذ ما قبل الانقلاب على الرئيس هادي .
إذا طرحت السؤال على أي شخص عادي في اليمن ، سيجيبك أنَّ الأزمة القائمة سببها تعدد السلطات والمكونات والغايات .
وهذه الكيانات للأسف عثرت على من يغذيها ويمولها ، وعلى حساب الدولة اليمنية المنشودة ، وفق المرجعيات الثلاث ، وبافاقها وقيمها العادلة والمنصفة لكل اليمنيين .
هذه هي أزمة السلطة الشرعية ، وهي بالمناسبة ليست وليدة اللحظة ، وإنَّما يمتد تاريخها إلى ما قبل إنطلاقة عاصفة الحزم ، والى ما قبل انقلاب الحوثيين وصالح على الرئيس هادي ، وعلى مضامين مؤتمر الحوار .
في الأيام الأولى للحرب كان الإعتقاد السائد أن دول التحالف الداعمة للسلطة الشرعية ممثلة بالرئيس هادي وحكومته ، لم تكن على دراية تامة بطبيعة الإنقسامات البينية في المجتمع اليمني .
ولكن الآن وبعد عشرة أعوام ليس هناك ما يبرر هذا التعاطي العبثي مع أزمة اليمن الرئيسة . نعم ، لا يمكن قبول جهل دولة بحجم السعودية أو الإمارات بازمة اليمن ، كي يتم تبرير الأخطاء الكارثية الحاصلة .
لست هنا بمقام من يحاكم نوايا الأشقاء ، أو يجحد دعمهم لليمنيين وفي ظروف صعبة وقاسية وحساسة ؛ لكنني بالمقابل لا أقبل بالمزيد من العبث والتضليل والاستهتار ، فلقد وصلت المعاناة حد الكفر بكل شيء ، حكومة ورئاسة وتحالف .
قبل بضعة أعوام جاؤوا بقادة أحزاب ومكونات اجتماعية مختلفة إلى الرياض ، فكان المخاض ثمانية رؤساء بدلا عن رئيس واحد . حدث ذلك رغم علمهم أن أزمة اليمن لن تحل أو تعالج بغير سلطة شرعية واحدة ، هدفها استعادة الدولة اليمنية اولا وثانيا وثالثا .
والآن يتكرر السيناريو وإن بطريقة مختلفة ، وبإضافة دول وازنة في المشهد الدولي ، وبرغم كارثية الحالة اليمنية ، هناك من يستسهل الأزمة ويعمل على تعديل بسيط في شكل الحكومة ، سواء بتعيين وزراء جدد وفق تصور رئيس الحكومة ، أو بإزاحة بن مبارك بناء على رغبة أعضاء فاعلين في مجلس الرئاسة .
وفي الحالتين لا توجد ثمة حلول ناجعة مصممة لأزمة اليمن ، بل يمكن اعتبارها حلولا آنية لأزمة عرضية بين الرئاسة والحكومة .
إحلال وزراء محل وزراء ، أو رئيس حكومة بديلا لرئيس الحكومة لن يكون إلَّا حلا لمشكلة فقدان التجانس بين الرئاسة والحكومة ، دونما المساس بأصل الأزمة .
ومحاولة ترميم السلطة الشرعية بهذه الطريقة ، وبهذه الادوات أعده عبثًا مبددًا لا يستقيم مطلقًا مع معاناة اليمنيين وتضحيتهم في سبيل استعادة دولتهم كاملة السيادة والسلطات والقرار والمسؤولية .
ما يجري في الرياض الان ، لا يختلف عمَّا ساد خلال الفترة المنصرمة ، كل طرف يلقي باللائمة على الطرق الآخر ، وبالمحصلة خلافات حول صلاحيات وإمتيازات .
الحاضر الأبرز في متاهات الرياض هما الرئاسة والحكومة ، وكذا المحاصصة والمكاسب الشخصية ، أمَّا الغائب الأوحد في هذه المشاورات والنقاشات فهي الدولة ، اليمن وشعبها ، الكفاءة والنزاهة ، الثقة والمسؤولية .
كما والأخطر هو غياب الخيارات والبدائل والحلول للأزمة اليمنية ، فلا أتفاق جدي وحقيقي حول رؤية سياسية واحدة وملزمة لكافة الأطراف المعنية .
ومعالجة أزمة خطرة بالتوافق ربما أرضى هذه الأطراف المنضوية في كيان الشرعية الضعيف والقليل الحيلة ، لكنه بكل تأكيد لن يعالج الأزمات السياسية والاقتصادية والنقدية والخدمية والأمنية .
فضلا أنه لن يرضي عامة الناس في المحافظات الواقعة ضمن نطاق سيطرة السلطة الشرعية ، فالغالبية الساحقة وصلت أحوالهم المعيشية والخدمية حد لا يطاق .
اليمنيون في أسوا فترة في حياتهم ، ولهذا هم ينتظرون من التحالف ومن الدول الراعية مساعدتهم لأجل استعادة بلادهم اليمن .
فأغلب القيادات الموجودة الآن في الرياض ، مسؤولة مسؤولية مباشرة عن سوء الأوضاع ، وعن تبديد الموارد والدعم ، وعن فقدان الدولة ومؤسساتها .
هذه القيادات النافذة صارت سببًا رئيسًا في الأزمات المستفحلة منذ أكثر من عشرة أعوام ، وجودها بات مستنزفًا للموارد والدعم ، بل وأكثر من ذلك أضحت معطلة للدولة وسلطاتها .
وخير برهان هو أن الرئاسة والحكومة عاجزة عن مزاولة نشاطها في المحافظات المحررة ، وتزيد المأساة تراجيدية حين تكون الخلافات البينية في الشرعية بتمويل ممن يعول عليه دعم السلطة الشرعية في اليمن .