21 فبراير امتداد للثورة وتأسيس للمستقبل

مانشيت - خاص - فؤاد مسعد :

بين فبراير 2011 وفبراير 2012 مسيرة عام كامل جسدت علاقة الشعب بثورته وعلاقة الثورة بانتقال السلطة، وعلاقة السلطة بالحوار الوطني، وعلاقة الأخير ببناء اليمن الجديد المنشود..

بين فبراير الثورة الشعبية وفبراير الإرادة الشعبية حكاية ثورة وقفت ضدها قوى الظلام والكهنوت والفساد والعنصرية والطائفية لتحول بين الشعب وبين انتصار إرادته، وتحول بين الثورة وتحقيق أهدافها، رمت كل حبال سحرها في طريق مسيرة التغيير المنشود، ووضعت كل إمكانياتها لمحاربة الشعب اليمني وإرادته الحرة الكريمة.

انتصر اليمنيون لثورتهم في توافق سياسي رعاه الأشقاء ودعمه الأصدقاء، وشهد العالم بصوابية مضامينه وموضوعية مخرجاته ونتائجه، فكانت المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة تتويجا لما أمكن التوافق عليه بين مكونات الثورة وأطراف العمل السياسي، بين خيار الشعب وضرورات السياسة، بين أهداف الثورة ومعطيات الواقع الذي فرض توافقا مطعما بالتنازل لصالح البلد، وهو ما أفضى بدوره إلى آلية إجرائية تبدأ بتسليم السلطة (رئاسة وحكومة)، وتغيير منظومة الحكم التي بدت متخشبة متصلبة امام المتغيرات والتطورات التي حملتها رياح الربيع العربي.

وكان الانتخاب المباشر لرئيس الجمهورية الجديد في مثل هذا اليوم 21 فبراير سنة 2012، من ناحية الشكل إجراءا عاديا، لكنه في مضمونه يقرر حقيقة جديدة تجعل الإرادة الشعبية أساسا مهما لا يمكن تجاوزه أو القفز عليه، وفيما لم تكن الانتخابات يومها تنافسية وفق منطق الأشياء بين أكثر من شخص وأكثر من مرشح أو أكثر من طرف، لكنها كانت تنافسية من حيث المبدأ والمضمون، كان التنافس حاضرا فيها بين الانتخابات التي تؤكد حضور القرار الشعبي في الحقل السياسي، وبين التوجهات/ الجهات التي رأت في الانتخابات عدوا يجب مواجهته وخصما يجب الانتصار عليه، حصد الرئيس الجديد هادي أصوات الناس فيما حشدت القوى المضادة للثورة والمعادية للدولة والرافضة للديمقراطية كل طاقاتها للنيل من التوافق الوطني والقضاء عليه وهو في مراحله الأولى، بيد أن هذا التوافق والإجماع لم يكن كيانا معزولا عن محيطه الخارجي، ولا كائنا ضعيفا يسهل التخلص منه بعمل طائش أو عملية عنف هناك، بل حالفه الحظ في كونه بقي الإنجاز اليمني المسنود بدعم إقليمي وتأييد دولي منقطع النظير.

من هنا فإن العلاقة بين فبراير الثورة وفبراير الديمقراطية وانتقال السلطة علاقة وثيقة، ولا يمكن تجاهل أو تجاوز ما يربط بينهما من صلات ووشائج، بل إن انتخاب رئيس للجمهورية، حتى وإن كان نتاج توافق مسبق، يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن الثورة ماضية في طريقها حتى تستكمل تحقيق جميع أهدافها، لكن في ضوء معطيات ألزمت الجميع بالتعاطي معها بوعي وموضوعية.

لقد عزز انتخاب الرئيس هادي في مثل هذا اليوم قبل سبع سنين، خيار الشعب في إنجاز الفعل الثوري، تأسيس الدولة اليمنية الحديثة، بعد التخلص من كوابح وعراقيل بناء الدولة متمثلة بالأسباب المأساوية والمظاهر الكارثية من استبداد وفساد وقمع الحريات والاستئثار بالسلطة والثروة والعمل على توريث البلد للأبناء والأقارب، وتكريس الشمولية والظلم والإقصاء والتهميش، وإدارة البلد بمزيد من الأزمات والحروب، ومواجهة مطالب الشعب بالتهديد والوعيد تارة أو بالوعود الكاذبة والمشاريع الوهمية تارة أخرى.

ولقد ظلت قوى التخلف والتعصب الظلامية تتبرص بالدولة اليمنية وبكل مكونات المشروع الوطني، حتى واتتها الفرصة في حالة ضعف وعجز لدى القوى الوطنية ومؤسسات الدولة فنفذت انقلابها المسلح المشؤوم وأعلنت حربها الشاملة على الشعب اليمني بكل قواه السياسية ومكوناته الاجتماعية وفي مختلف المناطق والمحافظات سعيا منها لتسليم البلد لملالي طهران ومرجعيات (قم) الذين تباهوا بهذا الانقلاب وأعلن أحد مسؤوليهم سقوط صنعاء كرابع عاصمة عربية في أحضان إيران.

ورغم ما ألحقته المليشيات الانقلابية الدموية وحربها المسعورة فإن الطريق أمام اليمنيين هو ذاته طريق فبراير وخيار الثورة الشعبية وأهدافها السامية، وما توافقت عليه القوى اليمنية في حوارها الوطني، بدعم وإسناد المجتمع الدولي، استكمال استعادة الدولة والقضاء على الانقلاب وتأسيس الدولة اليمنية الحديثة.