هل تدفع الإمارات "الانتقالي" للضغط على السعودية بروسيا وعمان؟

نائب رئيس "المجلس الانتقالي الجنوبي" هاني بن بريك، برفقة عضو هيئة رئاسة المجلس لطفي شطارة، أثناء زيارتهما لسلطنة عمان

مانشيت - خاص - عبدالملك الطيب:

تدفع الإمارات بـ"المجلس الانتقالي الجنوبي" لتوفير أوراق ضغط تستخدمها أمام المملكة لتبرير سياستها ومواقفها في عدن والمحافظات المحررة، ولتمارس بها الضغط لإقناعها بمواقف معينة ما تزال المملكة ترفضها.

الاثنين الماضي "24 ديسمبر"، سافر هاني بن بريك إلى عُمان مصطحبا عضو هيئة رئاسة المجلس "لطفي شطارة" في زيارة قال على صفحته في تويتر إنها لثلاثة أيام، موحيا بهذا التحديد الزمني أن الزيارة استجابة لدعوة رسمية وأن لها جدول أعمال، وهو ما قاله إعلام الانتقالي بشكل صريح بعد ذلك إلا أنه لم يذكر اسم الجهة التي حصل منها على الدعوة.

لا يحتاج الانتقالي لعقد لقاءات في مسقط مع قيادات حوثية ولا إيرانية، ويبدو أن ما تردد من هذا لا يتعدى الكيد الإعلامي من قبل ناشطي الشرعية، ذلك أن هدف الزيارة هو مجرد الوصول إلى عمان، وإرسال رسالة للمملكة مفادها: لن نلتزم لكم طويلا، وسنتحول إلى المربع الخصم، وها نحن في عمان!!

بالطبع لن تجري الزيارة بغير خطة إماراتية، كما لم يلتق هاني بن بريك في عمان بأي من المسؤولين هناك، ولو تمكن من عقد لقاء مع أي من مسؤوليها لكان قد ضخ صور اللقاء في صفحته على تويتر ووسائل إعلام الانتقالي وصفحات ناشطيه التي تستقي معلوماتها وتوجهاتها من مطبخ مركزي. رغم ذلك، نجحت المهمة في شقها الأول الذي أراد إرسال رسالة إلى المملكة مفادها "نحن في عمان" فيما لم ينجح شقها الآخر المتعلق بإقناع المملكة بالتعاطي مع الرسالة على نحو ما توقعوا.

المقرب من الانتقالي "أحمد الربيزي" قال في "26 ديسمبر" إن الزيارة "لإطلاع الجانب العماني حول توجهات المجلس لإيجاد علاقات متوازنة مع دول الجوار"، وهذه هي بالضبط الرسالة الموجهة إلى المملكة.

أكد هاني بن بريك يوم سفره أن زيارة عمان تشمل عددا من الدول العربية، وقام الناطق باسم الانتقالي بالتأكيد على ذات المعلومة، إلا أن هاني بن بريك ولطفي شطارة عادوا من عمان إلى عدن مباشرة، واتضح أنه لا جولة عربية كما قالوا.. كل ما هنالك أن الإمارات خشيت أن تكون الرسالة أقوى مما يجب، فتغدو رسالة استفزاز للمملكة يثير غضبها، فأرادت إيصال الرسالة بشيء من اللطف.

في ذات اليوم "الاثنين 25 ديسمبر"، ولذات الأهداف: أصدر "المجلس الروسي للشؤون الدولية" الذي تأسس عام 2010م تقريرا بعنوان: "روسيا والشرق الأوسط.. الدبلوماسية والأمن بين روسيا وجنوب اليمن"، وما يزال إعلام الانتقالي يتلقفه ويتناقله. أراد التقرير الإيحاء في مجمله بأن روسيا بصدد دور في اليمن باتجاه دعم الانتقالي، ويتركز في ثلاثة اتجاهات: الأول: المطالبة الضمنية بإشراك الانتقالي في مباحثات السلام، والثاني: الثناء على الانتقالي، مرجحا أن يعزز المجلس الانتقالي الجنوبي علاقته مع الجانب الروسي خلال الأشهر القادمة، والثالث: التزام موسكو بتعزيز الحوار بين الفصائل الجنوبية، وهذه الرسالة الأخيرة موجهة للداخل الاشتراكي والحراكي ومختلف المكونات الجنوبية، ومقدمة كدعم من المركز الروسي للمجلس الانتقالي الذي يسعى إلى أن يتأبطها تحت مظلة الحوار مع المكونات الجنوبية، ويلاحظ تركيز إعلام الانتقالي على هذه الرسالة وتداول التقرير تحت عنوان جديد يقول: موسكو مهتمة بتعزيز العلاقة بين الفصائل الجنوبية.

توقيت صدور التقرير بالتزامن مع زيارة الانتقالي لعمان، يشير إلى أن التقرير مدفوع الثمن. كما اعتمد في أكثر من نصفه على مقابلة قال "المجلس الروسي" إنه أجراها سابقا مع "أحمد عمر بن فريد" -ممثل الانتقالي في دول الاتحاد الأوروبي، وهذا يؤكد التنسيق المسبق إذا لم يكن "الدفع المسبق"، والرسالة أصبحت الآن بشقين: نحن في عمان، ونحن في روسيا..!!

وفي الرياض "27 ديسمبر"، التقى القياديان في الانتقالي والحزب الاشتراكي "د. ناصر الخبجي وعيدروس النقيب" بالسفير الروسي لدى اليمن.. كلا الخبجي والنقيب من النواب الذين وصلوا الرياض من أجل لقاء الرئيس، واستجابة لمساعي عقد الجلسة البرلمانية، ولم يسجلا لقاء آخر مع أي من السفراء أو مسؤولي دول الإقليم والعالم سوى هذا اللقاء مع السفير الروسي، ما يشير إلى تنسيق إماراتي خفي، والهدف واضح: تعزيز الرسالة المذكورة سابقا..!!

جميع هذه الفقرات تظهر أن للإمارات خطة مفصلة للضغط على المملكة، وتبدو هذه البنود حتى الآن مرتبة من طرفها، ولا شيء يبنى عليه من جهة روسيا بالمقابل سوى هذا اللقاء لسفيرها مع قيادات الانتقالي.

تتولى الإمارات التنسيق لهذه الأنشطة وتمولها، ثم تقوم بتضمين هذه الرسائل في تقارير خاصة تقدمها للمملكة، معتبرة أن هذه مؤشرات تنذر بالخطر وخروج الأمر عن سيطرتها، كما تستهدف بها المحيطين بصناع القرار في المملكة، وهو ما يتضح جليا في نشر الصحفي المقرب من الديوان الملكي عبدالرحمن الراشد "26 ديسمبر" مقطعا من مقابلة لسفير سوفيتي لدى الجنوب يتحدث عن صراع 86م في جنوب اليمن ويعلق على المقطع: "السفير السوفييتي إبان دعم اليمن الجنوبي ضد الجارة السعودية: أخطأنا، أعطيناهم مائة دبابة والأجدر أن نلزمهم بالمصالحة". والسؤال: إذا كانت هذه الزيارات واللقاءات من أنشطة الانتقالي، فإنه لا مبرر لخروج عبدالرحمن الراشد باقتباس المقطع ولا لهذا التعليق لولا أنه واحد -فيما يبدو- ممن تلقوا الرسالة من الجانب الإماراتي بطريقة ما.

تفاعل هاني بن بريك مع تغريدة الراشد، وقام بمشاركتها "27 ديسمبر" وعلق عليها بقوله: "تلك أمة قد خلت، الجنوب اليوم غير". وكان قد نشر اليوم الأول مقطع فيديو من الإرشيف لزيارة قام بها الرئيس سالم ربيع علي "سالمين" للمملكة، وقال عن المقطع: "نهديه لبعض ناشئة العرب الذين ولدوا ولا يعلمون أن هناك في أقصى الجنوب منهم كانت جمهورية ذات سيادة وكيان دخلت في مشروع وحدة فاشلة وأرادت العودة فتم غزوها بمعونة الإرهابيين". وكلمة "في أقصى الجزيرة منهم" تعني أن الخطاب موجه إلى المملكة بشكل مباشر، بل موجهة بالتحديد لولي العهد الأمير محمد بن سلمان الذي يعتبره هاني بن بريك من الناشئة الذين لا يعرفون هذا التاريخ!!

تسعى الإمارات للضغط على الرئيس والمملكة وإقناعهم بالقبول بمشاركة الانتقالي في المشاورات، وإلى ذلك: هناك توجه سعودي لتطبيع الحياة في عدن يستند على دعم الرئيس والحكومة إلا أن الإمارات التي توافق المملكة في الظاهر، تلجأ إلى ممارسة أشكال الممانعة في الخفاء وبطريقتها الخاصة، وأبرز ما يزعجها من هذا التوجه السعودي يتمثل أولا في تنفيذ الاتفاق الخاص بتوحيد الأجهزة الأمنية والألوية العسكرية في عدن، وهو الاتفاق الثلاثي بينها وبين المملكة والرئيس هادي، فيما يتمثل الأمر الثاني في مساعي المملكة لدعم الحكومة اليمنية ممثلة بالداخلية وقوات خفر السواحل لتأمين ميناء عدن بدلا عن قوات الحزام الأمني، وكان هذا أحد بواعث حرب يناير مطلع العام 2018م عقب زيارة السفير السعودي لعدن وإعلانه اتفاقا مع الحكومة اليمنية بهذا الخصوص.