"مانشيت" يفتح دولاب أسرار الفنان عمرو جمال ويكشف كواليس وخفايا فيلم (10 أيام قبل الزفّة)

مانشيت - أشرف خليفة - خاص:

عمرو جمال، المؤلف والمخرج الذي استطاع حفر اسمه بأحرف من ذهب على صفحات تاريخ الفن اليمني، من خلال بثّ الروح في المسرح الذي كاد يوشك على الاندثار، وتجديده ليستعيد ألقه من جديد.

ولم يتوقف الأمر عند الابداع في المجال المسرحي، بل خاض جمال، تجربه أخرى، إذ انتقل ابداعه إلى عالم الدراما والتلفزيون من خلال تقديم المسلسلات والبرامج من نوع "ست كوم"، وفي هذا الميدان ظهر كالفارس المغوار الذي لا يشق غُبار، ونقل العمل الدرامي اليمني إلى مستوى أعلى، ليواصل بعدها تألقه من خلال اقتحام مجال الصناعة الفنية الأصعب كالسينما، في بلد مثل اليمن، حيث صنع عمرو جمال المستحيل من خلال تقديم وجبة سينمائية دسمة في ظل ظروف تعد من أصعب الظروف التي تمر بها البلاد ومرحلة تاريخية  من أسوأ المراحل التي لن تُمحى من تاريخ اليمن وذاكرة اليمنين.

(10 أيام قبل الزفّة) شمعة أضاءها الجمال عمرو في قتامة ليل حالك شديد السواد.. تجربة فريدة من نوعها.. جميلة في شكلها.. رائعة في تنفيذها.. متميزة في تفاصيلها.. مبهجة في عرضها..

أجرى موقع "مانشيت" حواراً صحفياً مع الفنان عمرو جمال، وخاض معه تفاصيل تجربته السينمائية الأولى، بالإضافة إلى تناول جانب من طموحه الفني ومشاريعه المختلفة.. فإلى تفاصيل الحوار:

  

● في البدء.. حدثنا عن فيلم (10 أيام قبل الزفّة) منذ أن كان مجرد فكرة؟

كان في البداية الفيلم عبارة عن مشروع مسلسل تلفزيوني، باسم 30 يوم قبل الزفة، بدأت في كتابته عام 2013، وتحديداً عقب الانتهاء من عرض مسلسل فرصة أخيرة، لكن اخذ مني وقت في الكتابة لمدة 4 أشهر وقررت في تلك المرحلة ايقاف الكتابة كوني رأيت أن الأمور خرجت عن السيطرة، وبعد ذلك بسنه استأنفت العمل مجدداً وأوقفته مرة أخرى لذات الأسباب السابقة.

وفي 2016 حاولنا تغيير صيغة العمل إلى صيغة جديدة، ولكن بنفس الروح والمضمون، وبرضه واجهتنا نفس الأسباب السابقة، الأمر الذي جعلني أتوقف عن الاستمرار فيه لمرة ثالثة، حينها بدأ يلوح لي في الأفق حلم قديم أسمه السينما وهو الحلم والعشق الأساسي لي شخصياً، والذي كنت أرى من الصعب تنفيذه الماضي.

 

● ما العراقيل والعقبات التي وقفت في طريقكم؟

تم تصوير الفيلم في أصعب فترة تشهدها البلد في تاريخها، حيث الوضع الأمني المتردي والحالة الاقتصادية الصعبة، وكان الإصرار على تصوير الفيلم الذي تشكل المشاهد الخارجية 60% من أحداثه  مخاطرة كبيرة خصوصا أن الأوضاع السياسية والأمنية معقدة، وكما أن عمليات الاغتيالات والتصفيات الجسدية تعج بها الأخبار ومع ذلك اصر طاقم الفيلم على خوض التجربة والنزول للشارع بممثلين وممثلات لتصويره.

عوائق أخرى أبرزها التمويل حيث أن الدولة والتاجر في اليمن لا يؤمنون بدعم الفنون وحصولنا على تمويل متواضع أخذ منا مجهودا خارقا ومذلا.

كذلك عانينا من العوائق التي يعاني منها كل الشعب اليمني، انهيار الخدمات العامة، الكهرباء التي تنقطع أكثر من نصف اليوم، اضطرارنا للتصوير باستخدام مولدات تحتاج للديزل وسط معاناة في انعدام المشتقات النفطية بين وقت وآخر، انهيار شبكات الاتصالات كانت عائق كبير يحول دون تواصلنا مع الممثلين وطاقم العمل مما كان يؤخر جداول العمل. 

● كيف وجدتم تفاعل الشارع العدني مع تجربة تعد جديدة عليه؟

هذا السؤال ينقسم إلى شقين، الشق الأول أثناء تصوير الفيلم والذي لمسناه من خلال الترحاب الكبير لنا من قبل الأهالي في مدينة عدن، وتعاونهم الكبير الذي سهل عملية التصوير، حتى أنهم كانوا يفتحون أبواب منازلهم لنا وامدادنا بالماء والعصائر بكل لطف وكرم.

وبالنسبة للشق الثاني، هي أثناء عرض الفيلم، إذ كانت حفلات العرض مكتملة العدد بل ومحجوزة لعدة أيام قادمة، وهو شيء غير مسبوق إطلاقا في اليمن، فقد تحدينا أنفسنا بتجهيز قاعتي عرض، وفي كل قاعة 4 عروض أي بواقع 8 عروض يوميًا، وكل العروض شبه مكتملة، ما اضطرنا لإضافة عرض تاسع إضافي في فترة العيد. 

 

● هل توقعتم كل هذا النجاح والتفاعل الإيجابي من قبل الجمهور على العمل من كافة الجوانب؟

حقيقة لم نتوقع كل هذا النجاح الكبير، كانت مفاجأة كبرى لنا،  فقد كان تدفق الجمهور معجزة حقيقية خصوصاً بعد (البروباغاندا) السيئة عن الوضع الأمني في عدن طوال السنوات الثلاث الماضية بعد الحرب، ولكن الناس تحدت المخاوف لتثبت أن أبناء عدن يحبون الحياة والفعاليات الثقافية ويسعون لتطبيع الحياة.

والنجاح الاستثنائي الذي حققه الفيلم مستمر ومازال يعرض حتى اليوم وبإقبال جماهيري ممتاز وهو أكثر مما توقعناه بالنسبة لأول فيلم جماهيري يمني في تاريخ البلد، ففقد تجاوزت عدد مرات حفلات العرض الـ170 عرض، واستمرت لأكثر من شهرين.

 

● كم بلغت تكلفة إنتاج الفيلم؟ وكم بلغ إجمالي الإيرادات.. وهل توقعتم الوصول أو تخطي هذا الرقم؟

تم إنتاج الفيلم بميزانية ضئيلة لا تتجاوز 33 ألف دولار، ورغم هذه الميزانية البسيطة إلا أن طاقم الفيلم مكون من 48 ممثل وما يزيد عن 50 كومبارس وشارك خلف الكاميرا قرابة الـ80 شخص من مجالات مختلفة في التصوير والمونتاج والتأليف وراقصين ومصممي جرافكس ومصممي بوسترات وفريق إعلامي وفنيين آخرين.

كما أحتوى الفيلم على أغاني واستعراض راقص كبير وتم التصوير في عشرات المواقع وكل ذلك تحقق بمعجزة ضمن هذه الميزانية المحدودة. (وللتوضيح هذه الميزانية قدرنا بها انتاج المادة المصورة فقط ولا يشمل ميزانية المشروع ككل من ناحية القاعات والعروض والترويج وورش العمل الخاصة بالتأليف و الإعداد ومرحلة ما بعد التصوير كاملة).

وقد بلغت ايرادات الفلم ما يقارب من 50 مليون ريال يمني، حيث بيعت قرابة 50 ألف تذكرة، وسعر التذكرة كما هو معلوم ألف ريال، وهذا الرقم فاق كل توقعاتنا.

 

● الكثير من أبناء المحافظات الأخرى وكذا المغتربون خارج الوطن حرموا من مشاهدة الفيلم.. كيف يمكن حل هذه المشكلة وتوفير الفيلم لهم لمشاهدته؟

قد بدأنا مؤخراً في عرض الفيلم  خارج عدن، حيث يعرض حالياً في دولة الإمارات، ولن نقف هنا، فنحن في طور البحث عن موزعين له، لعرضه في أكثر من دولة يتواجد فيها مغتربون يمنيون بكثرة، وأعتقد ان ترشح الفيلم ودخوله منافسات في أكثر من مهرجان سينمائي دولي، سُيسهل علينا عملية ايجاد موزعين للفيلم.

والفيلم من وجهة نظري خُلق للمشاهدة عبر دور العرض، وعرضه عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو عبر التلفاز يفقده رونقه، يجب أن يأخذ وقته الكامل وحقه في أن يُعرض على الشاشة الساحرة شاشة السينما، وبعدها سنوفره للمتابعين بمختلف الوسائل.

 

● كيف جاء ترشح الفيلم للمنافسة على جائزة الأوسكار؟

بالنسبة للأفلام غير الأمريكية تكون عبر تقديم كل دولة فيلم سينمائي واحد سنوياً للمنافسة فيما بينها للترشح فيما بعد لجائزة الأوسكار.

 ونحن قمنا بالتقديم وتم قبولنا لخوض المنافسة بين هذه الأفلام المقدمة من مختلف الدول، في الوقت الذي دول غيرنا تمتلك امكانيات وقدرات سواءً على مستوى الخبرة أو المال لم تستوفِ الشروط المطلوبة وتم رفض فيلمها للمنافسة حتى في المرحلة الأولى.

وقبول عرض الفيلم للمنافسة في المرحلة سيتيح ذلك على لجنة خاصة ذات خبرة وكفاءه عالية بهذا المجال، هذا بحد ذاته انجاز، نتمنى أن لا يقف هنا ويجد له مكان بين الأفلام الأمريكية والعالمية في المنافسات النهائية.

 

● هل هناك مهرجانات عالمية وعربية أخرى تسعون لإدراج الفيلم للمنافسة على جوائزها؟

هناك مهرجانات عديدة قمنا بالتواصل معها، وهناك مهرجانات أخرى قامت هي بالتواصل معنا، وأول مهرجان سنشارك فيه هو مهرجان (جيبور) الدولي في الهند، وبقية المهرجانات سنعلن عنها تباعاً.

 

● حدثنا عن طموح عمرو جمال الفني؟

طموحي كبير جداً، وحالياً متمسك بالعمل السينمائي قدر الإمكان، وأطمح لإخراج العديد من الأفلام الجيدة وأكون لنفسي اسم وتاريخ في هذه الصناعة، كما عملت ذلك على صعيد المسرح، وأسعى أيضاً مع الوقت في المساهمة بالنهوض بالسينما والمسرح على مستوى البلد بشكل عام، ومدينة عدن على وجه الخصوص.

وأطمح كذلك لترسيخ أعمال ثقافية وفنية دائمة، واتاحة الفرص أمام كل من يعمل في هذا المجال، حيث أسعى لإعادة تأهيل مواقع قديمة كالمسارح وغيرها، لتكون لدينا مواقع ثابته ومخصصه لتقديم العروض الفنية المختلفة، ومتوفرة أمام الجميع لتقديم عروضهم.

طموحي لا يقف هنا وحسب، أطمح أيضاً لأن تكون لدينا أكاديمية للفنون، ولو بمجهود خاص، تتيح الفرصة أمام كل من يرى في نفسه امتلاكه لموهبة التمثيل من تطوير موهبته والابداع بشكل أكبر، حقيقة طموحاتي كبيرة جداً، لكن لا أعرف إذا كان الزمن سيسمح لنا بتحقيق كل ما نطمح إليه.

 

● أخر عمل مسرحي لفرقة "خليج عدن" كان عام 2014م من خلال مسرحية صرف غير صحي.. متى سنراكم من خلال المسرح؟

المسرح عشق وإدمان لا يمكن أن يبرئ المرء منه، ولكن يجب التفكير جيداً حول متى هي المرحلة المناسبة للعودة للمسرح، الأن خيار السينما بات مطروح وقد بدأ للتو في الازدهار، ونحن نحرص على الاهتمام في سقايته وتكبيره حتى النهوض به، وحينها سنعود لبيتنا الأول الذي لا غنى عنه وهو العمل المسرحي.

 

● وبالنسبة لشهر رمضان المبارك.. هل ستشاركون في السباق الدرامي من خلال مسلسل تلفزيوني؟

حقيقةً لا أحبذ العمل التلفزيوني، ولا أفكر في خوض غمار منافسات  الأعمال الدرامية بشكل دوري، من وجهة نظري أعتبر المسلسل التلفزيوني محرقه لأي ابداع حقيقي ومجال استهلاكي أسعى للابتعاد عنه، وما قدمته من قبل في واقع الأمر كانت مجرد تجربه فرضتها ظروف معينه، ولا أنكر أنني استفدت منها الكثير، وتعلمت من خلالها أشياء جديدة، ولكن العودة إليها مجدداً لن يكون إلا في حدود ضيقة، متى ما تُفرض علي سأعود لهذا المجال.