لماذا تتحرك القاعدة في أبين قبيل أي جولة مباحثات يمنية أممية؟!

مانشيت - عبدالملك الطيب - خاص:

 ما إن يعلن المبعوث الأممي "مارتن جريفث" عن جولة مباحثات جديدة إلا وتتحرك القاعدة في محافظة "أبين" اليمنية، التي تسيطر عليها السلطة الشرعية منذ تحريرها من الحوثيين في 2015م. التزامن بين الأمرين يثير تساؤلات تحمل في طياتها الإجابات، والأقنعة السوداء الثخينة التي تلبسها عناصر القاعدة كثيرًا ما تكون شفافة لا تخفي العيون والملامح، واللعب أصبح على المكشوف.

أمس الجمعة، نفذ تنظيم القاعدة هجوما على نقطة مراقبة عسكرية بمنطقة "ذوبة" في "مودية" بمحافظة "أبين"، وأعقبها اشتباكات استمرت لساعات في الليل.

وكانت الاشتباكات في ذات المديرية قد اندلعت الأحد الفائت، وهو ذات اليوم الذي تعرض فيه الرجل الثاني بـ"الحزام الأمني" بمحافظة أبين "فهد غرامة" للاغتيال برصاص مسلحين اعترضوه وهو في مدينة عدن.

ينتمي المغدور "غرامة" إلى أبين التي ينتمي إليها الرئيس عبدربه منصور هادي، ولهذا يمنح ولاءه للرئيس والشرعية، وهو شخص عرف بمواقفه الشجاعة في مواجهات السنوات السابقة ضد القاعدة، ورفضه للعب بورقة الإرهاب في محافظته، واغتياله في ذات اليوم الذي شهد اشتباكات "مودية" يشير إلى الجناة، وهو ما أشارت إليه معظم التعازي والتعليقات المنشورة في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي.

تزامن هذه الاشتباكات بين القاعدة والحكومة في أبين، وبين الترتيبات لمباحثات السويد التي يسعى المبعوث الأممي لعقدها في السويد آخر العام الجاري، يبعث في الذاكرة ذلك التزامن المماثل بين الترتيبات لجولة جنيف التي فشلت وكان من المقرر أن تنعقد مطلع سبتمبر الفائت، وبين الاشتباكات التي خاضتها القاعدة أثناء تلك الترتيبات بمناطق متفرقة من نفس المحافظة "أبين".

معارك اليوم التي تتزامن مع ترتيبات جولة السويد، أسفرت مبكرا عن اغتيال الرجل الثاني بـ"الحزام الأمني" في أبين، أما معارك الأمس التي تزامنت مع ترتيبات جولة جنيف، فقد استهدفت زميله "عبداللطيف السيد" الذي يحمل لقب الرجل الأول بـ"الحزام الأمني" في ذات المحافظة، وتنطبق عليه نفس المواصفات بشأن الموقف ضد القاعدة، إلا أنها كانت أكثر لطفاً، إذ اكتفت بإبعاده مؤقتا مع عائلته بتسفيره إلى القاهرة لا اغتياله "يوليو الماضي".

قبل جولة جنيف الفاشلة، وتحديدا يوم الأحد "16 يوليو" في مدينة عدن، كان القيادي في "ألوية الدعم والإسناد" والموالي للمجلس الانتقالي المدعوم من الإمارات "أبو اليمامة منير اليافعي"، يلقي كلمة في صفوف الجنود الواقفين أمامه، متهددا رئيس الجمهورية المقيم في قصر "معاشيق" بذات المدينة، ومتوعدا بالإطاحة به وحكومته عبر قوة السلاح الذي تمتلكه التشكيلات العسكرية للنخبة الحضرمية والنخبة الشبوانية والحزام الأمني في عدن ولحج والضالع، وكان ملفتا في كلامه تضمينه هذه التهديدات العامة جزئية بشأن مخاطر القاعدة في مديرية "لودر" بمحافظة أبين، وأنه شن هجوما على قائد أحد الألوية العسكرية الموالية للرئيس في لودر، ووصفه بأنه قيادي في تنظيم القاعدة.

وخلال الأيام التالية من ذات الأسبوع، ظل مسؤولون عسكريون وأمنيون ومدنيون من لودر وأبين يتوافدون إلى مقر إقامة الرئيس في "معاشيق"، ويلتقون هناك بوزير داخليته "أحمد الميسري". لقد أثار "أبو اليمامة" بتلك الجزئية الخاصة بالقاعدة في "لودر" الارتياب، وكان كلامه بمثابة جرس ينذر بالخطر من تحرك للقاعدة هناك، أو بالأحرى: تحريكها، لا تحركها.

وكان ملفتا بذات القدر أنه أطلق تهديداته بالحزام الأمني في عدن، ولحج، والضالع، وتجاهل تماما الحزام الأمني في أبين الذي يقوده "عبداللطيف السيد" ونائبه المغدور "فهد غرامة"!!

فشلت جولة "جنيف -أبين"، بشقيها: المباحثات في جنيف، ومعارك القاعدة في أبين، وها نحن اليوم أمام جولة مماثلة تحمل اسم جولة "السويد -أبين"!!

الأحد الماضي "18 نوفمبر"،  كتب هاني بن بريك على صفحته في تويتر، معلقا على اغتيال "فهد غرامة": "بعد انتهائي صباح اليوم من أداء العمرة جاءني خبر استشهاد أخي  البطل فهد غرامة...". لماذا أقحم هذه المعلومة الخاصة بالعمرة، وما الفرق بين أن يكون الخبر وصله بعد العمرة أو قبل العمرة إلا أن يكون يقصد الإشارة إلى أن الجريمة وقعت وهو في مكة لا في عدن؟ هل يبدو أنه يرى سبابة اتهام موجهة نحوه ويحاول صرفها عن نفسه؟!

ويختتم تغريدته: "عهد الله لك أخي ولكل الشهداء لنجتثنهم من الأرض ولنطهرن أرضنا من رجس الخوارج الملاعين"، ويا ترى وهو العائد قبل أسابيع من زيارة غير موفقة لبريطانيا: لو أنه نجح في عقد لقاء مع أي من المسؤولين هناك، فهل كان سيحدثهم عن "الخوارج" و"المعتزلة" و"الأشاعرة"، ويعزز لديهم الانطباع الذي يبدو أنه هو الذي منعهم من مقابلته، وأنهم ينظرون إليه كرجل دين لا يحسن حتى استخدام مفردات لغة السياسة، وأنه لا يستبعد ربطهم بينه وبين الإرهاب؟

هاني بن بريك، نائب رئيس المجلي الانتقالي الذي يسوّق نفسه محاربا للإرهاب في عدن، ويؤكد أنه أخلى عدن من القاعدة تماما، يعتبر أن الحديث عن وجود القاعدة في عدن إدانة مباشرة له وللمجلس الانتقالي وللطرف الإماراتي، وأن هذا يفقدهم واحدا من أهم بنودهم الدعائية الخارجية، والرجل ليس غبيا كما قد يبدو للرأي العام المتابع لتصرفاته وتصريحاته، بل يتمتع من الذكاء بقدر كبير يمكنه من معرفة الوقت الذي يجب أن يستخدم فيه اسم القاعدة، والوقت الذي يجب أن يتحاشى فيه اسم القاعدة ويستخدم بدلا عنه اسم "الخوارج"..!!

يطلق هاني بن بريك اسم "الخوارج" على القاعدة، ورغم أنه يحرص بشكل دائم على تجنب التلميح لوجود القاعدة في عدن، إلا أنه لم يتردد هنا في اتهام القاعدة بهذه الجريمة مع أنه لم يقل كيف عرف هوية الجناة وبذلك الوقت القياسي وهو في مكة؟ العادة أن يتحدث في مثل هذه التصريحات والتغريدات عن الخوارج و"الإخونج"، لكن إضافة "الإخونج" هنا قد تسبب التشويش على هدف إرساء التهمة على القاعدة.. ماذا هناك؟ هل يبدو أنه يواجه صعوبة في دفع تلك السبابة اللعينة يمينا أو يسارا..؟!

في أبين التي تحكمها الشرعية وبدعم من السعودية، هناك شيء اسمه "القاعدة"، وهذه إدانة كافية للشرعية والسعودية، ويجب أن يعترفوا بها ويقتنعوا بعدم استحقاقهم لأي دعم جديد في خيار التحرير العسكري.. أما في عدن، حيث تقع مسؤولية مكافحة الإرهاب على كاهل إدارة الأمن بقيادة "شلال شايع" وقوات مكافحة الإرهاب بقيادة "يسران مقطري" وبدعم من الإمارات، فالواقع يقضي لهذا الطرف باستحقاق الدعم، وأن يصغي الجميع لمطالبته بالمشاركة في المباحثات، فهؤلاء الذين اغتالوا القائد "فهد غرامة" في قلب عدن وبكل أريحية، وفي التوقيت الذي اختاروه، وبالوسيلة التي حددوها، يجب أن لا يطلق عليهم اسم القاعدة، لأن عدن خالية من القاعدة بفضلهم، والاسم الذي يجب إطلاقه على القاعدة بعدن هو: "الخوارج"!!

أقل من شهر ونصف هو الوقت الفاصل بين اليوم وبين موعد انعقاد جولة مباحثات السويد التي أعلن عنها المبعوث الأممي، ويتوقع عقدها عقب احتفالات رأس السنة، وهو فاصل يكفي لتتوالى خلاله أخبار الاشتباكات والعمليات التي تخوضها القاعدة في أبين، وبالقدر الذي يكوّن واحدة من أهم أوراق الضغط بيد الأطراف الساعية لإرضاخ الشرعية والسعودية وإجبارهما على تقديم أكبر قدر من التنازلات، أو هذا ما يخطط له.

بالمقابل: يمكن للشرعية والمملكة فعل القليل والكثير خلال هذا الوقت الفاصل، ولكن: ما هو؟ ومتى؟!.