بعد هروب العشرات منهم.. سياسة حوثية جديدة تجاه قيادات "المؤتمر" بصنعاء

مانشيت - خاص - عبدالملك الطيب:

يدرك الحوثي أنه لا ضمانة لاستمرار من تبقى من المؤتمر في صنعاء، وإن ظاهروه بالولاء، لذا فهو يستفيد إعلاميًا وسياسيًا من بقائهم معه، لكنه يتجه عمليًا إلى تقليص مستوى تأثيرهم ونفوذهم في السلطة بحيث يتحولون بالتدريج إلى مجرد لافتة لا تستند إلى أي ثقل حقيقي، ولا يتأثر وضع جماعته بأي مواقف قد يلجأ لها منتسبو هذا التيار في أي وقت.

يتوالى هروب العشرات من المؤتمر الشعبي من صنعاء إلى الشرعية، أو إلى الجهة المناهضة للحوثيين، ليشكل أزمة سياسية جديدة لجماعة الحوثي، إذ تشعر الجماعة أن الغطاء السياسي الذي تقدم به نفسها للرأي العام داخليا وخارجيا، يتآكل ويتناقص يوميا بقدر ما تفقده من رموز وقيادات هذا التيار، ولهذا قال الرئيس هادي عقب قيام الحوثيين بقتل رئيس المؤتمر "علي صالح" في 4 ديسمبر 2017 إن الحوثيين "قتلوا الشق السياسي" في جبهة الانقلاب، ما يعني انحسار الثقة بنجاح الحل السياسي إلى أدنى المستويات لصالح الخيار العسكري.

وعلى امتداد اسبوعين، يشهد الميدان تطورات عسكرية كبيرة تحققها جبهة الشرعية، وهي التطورات التي تؤكد لمن تبقى من قيادات المؤتمر الشعبي في صنعاء أن استمرار البقاء مع الحوثي مراهنة على الحصان الخاسر، ونتيجتها باتت معلومة سلفا وبشكل محقق.

رغم ذلك، لا تزيد هذه التطورات على أن تعجل بهروب من تبقى منهم، أما القناعة بضرورة المغادرة والتخلي عن التحالف مع الحوثي فقد تأسست في ديسمبر من العام الماضي عند قيام الحوثيين بقتل زعيم المؤتمر "علي عبدالله صالح"، إذ أدركت هذه القيادات يومها أنه لا ضمان لبقائهم مع الحوثي بعد الذي فعله برئيسهم، ولم يعد هناك سبب يبقيهم في صنعاء سوى أن كلا منهم يحتاج إلى بعض الوقت ليتدبر وضعه ويتخذ الاجراءات اللازمة بشأن مصالحه وممتلكاته هناك وما لابد منه من تأمين الطريق وتأمين الطريق إلى الجهة التي ينوي الهروب إليها.

قبل أمس، انشق عن الحوثيين عبدالسلام جابر، وزير الإعلام في حكومة الانقلاب بصنعاء، ووصل إلى الرياض، وذلك بعد أسابيع من استقبال الشرعية في الرياض لنائب وزير التربية في حكومة الحوثيين، والذي أعلن التخلي عن الحوثيين والانضمام إلى الشرعية "عبدالله الحامدي".

منذ مقتل صالح في الرابع من ديسمبر من العام الماضي، لا يمر شهر إلا ويهرب عدد منهم، ولا شيء يدفعهم لذلك طالما لا جديد على الأرضية السياسية سوى انتهاء الوقت الذي احتاجه كل منهم لتدبر وضعه في صنعاء، ليغادر بسلام وبأقل الخسائر.

بالمقابل، ومنذ تاريخ مقتل صالح، بات الحوثي يدرك أنه لا ضمانة لاستمرار من تبقى من المؤتمر في صنعاء، وإن ظاهروه بالولاء، لذا فهو يستفيد إعلاميا وسياسيا من بقائهم معه، لكنه يتجه عمليا إلى تقليص مستوى تأثيرهم ونفوذهم في السلطة، بحيث يتحولون بالتدريج إلى مجرد لافتة لا تستند إلى أي أوراق ضغط أو ثقل حقيقي، ولا يتأثر وضع جماعته بأي مواقف قد يلجأ لها منتسبو هذا التيار في أي وقت.

تفرض جماعة الحوثي أشكال الرقابة على من تبقى من قيادة هذا التيار لدرجة أنها تحدد لهم سائقين تفرضهم عليهم، فضلا عن اعتماد حراسة لكل منهم تقوم هي بتحديدهم، متظاهرة أنها حريصة عليهم وتريد حمايتهم فيما الحقيقة أنها تريد بهذه الإجراءات تشديد الحراسة عليهم، أي لحمايتها هي لا حمايتهم هم.

وبتزايد أعداد قيادات المؤتمر التي تهرب من صنعاء، باتت جماعة الحوثي بحاجة لسياسة مختلفة تجاه هذا التيار ومزيد من الإجراءات، وهو ما أشار إليه يوم أمس القيادي وعضو المكتب السياسي للحوثيين "حميد رزق" بقوله: "نطالب القوى الوطنية والمجلس السياسي الأعلى بتشكيل حكومة حرب مصغرة تستجيب لظروف المرحلة بعيدا عن المحاباة والمداراة"، ما يشير إلى تفكير الحوثي بتشكيل حكومة جديدة ينتمي جميع أعضاؤها إلى جماعته، والقول بضرورة أن يكون تعيين أعضائها "بعيدا عن المداراة" اعتراف صريح بأن تعيينات المؤتمريين في الحكومة الحالية كان ضربا من المداراة والمحاباة، وهو ما يؤكد ما سبق الحديث عنه بشأن قناعات الحوثي بأن بقاء هذه القيادات المؤتمرية في صنعاء ليس أكثر من غطاء إعلامي لجماعته.

رغم تشديد الحوثيين للإجراءات على هذه القيادات بصنعاء الواقعة حتى الآن تحت سيطرتهم، يتوقع المزيد من هروب هذه القيادات بمستوياتها العليا والمتوسطة، وهو ما يتوقعه الحوثيون أيضا، وذلك ما ورد بشكل صريح على لسان "حميد رزق"، إذ يعلق على هروب عبدالسلام جابر مخاطبا من تبقى من قيادات المؤتمر بصنعاء: "الذي عاده خاور مستحي، الله لا رده"، وفيما ينصح جماعته بحل الحكومة الحالية وتشكيل أخرى تكون حوثية خالصة، فإنه يبرر ذلك بقوله: "ما يحتاج تنتظروا لما يهرب واحد جديد وترجعوا تدوروا أين تخبوا رؤوسكم".