الغلاء جبهة جديدة في معركة اليمنيين
يجلس الحاج علي (موظف متقاعد) مشدوها بجوار المنزل الذي يحرسه بعد أن نهب الحوثيون رواتب المتقاعدين، لجأ للعمل حارسا في إحدى العمارات، براتب شهري 30 ألف ريال، يمسح نظارته التي قررها له طبيب العيون.
لم يعد يهتم لأمر السياسة والانتصارات
العسكرية، كما كان، صار جل همه كيف يواجه موجة الغلاء، ويوفر القوت الضروري
لأسرته.
مع بداية الحديث معه قال
ساخرا "راتبي 30 ألف ريال وكيس الرز بـ37 ألف ريال" كان يشتريه
بـنصف المبلغ أو أقل، وراتبه المتواضع تلاشى أمام موجة الغلاء، ولم يعد يكفيه
لمصاريفه الشخصية، ناهيك عن احتياجات اسرته.
انهيار العملة كابوسٌ مؤرق
أصبح انهيار العملة وما نتج عنه من
ارتفاع جنوني لأسعار المواد الغذائية والسلع، حديث الناس، في الأسواق وأماكن
التجمعات، وعلى سيارات الأجرة، القلق ظاهر على أوجه المارة وأصحاب المحلات معا،
وتجمعات العمال في الجولة الوحيدة هنا بمارب.
جبهة أخرى تضاف إلى جبهات الموت التي
تفتك باليمنيين، الانقلاب والحرب والشتات وانقطاع المرتبات، لكن هذه الجبهة ليس
فيها رصاص وقذائف لكن ضحاياها بالجملة، وحصادها لا يستثني أحد، إنها جبهة كل
اليمنيين رجالا ونساء، صغار وكبار، إنها فاجعة انهيار العملة وموجة الغلاء التي لم
تحدث من قبل وسقط فيها عشرات الحالات جوعا في محافظات عدة أبرزها حجة والحديدة.
الرواتب تلاشت أمام الأسعار
يعمل جلال، في احدى المؤسسات
الاعلامية، يقول إن راتبه قبل عامين ونصف، كان يوازي 2500 ريال سعودي، بحسب الصرف
آنذاك، لكنه هذه الأيام تراجع بسبب انهيار العملة إلى أقل من 1000ريال سعودي،
"مش عارفين كيف نسوي" هكذا قال.
يجلس نجيب، خريج كلية الحقوق
جامعة تعز، أمام بوفية يتناول وجبة العشاء، التي اقتصرت على "خبز طاوة"
وكأس شاي، يقول إنه بسبب وفاة والديه وأحد أشقائه لجأ للعمل بالأجر اليومي لتوفير
حاجات أسرته، وأنه كان يطمح بالعمل بمكتب محاماة، لكن المكتب اشترط عليه العمل
مجانا ليتدرب، يقول نجيب "حاليا اشتغل يومين ثلاث، واذا توقفت أصرف الفلوس
التي جمعتها ولا أستطيع أن أرسل لأسرتي شيء" يفكر نجيب بالانضمام إلى الجيش
أو الأمن خاصة للحصول على مرتب ليوفر احتياجات أسرته، يتمتم وهو يحتسي ما تبقى من
كأس الشاي " اللي مكتوب لك تأخذه.. الحياة والموت من الله".
أسعار المواد الغذائية
والأدوية
خالد.. مالك صيدلية، يقول إن أسعار
العلاج بمارب والمحافظات الأخرى موحد، لكن كثيرون يقولون عكس ذلك وأن الأدوية وحليب
الأطفال بمارب أسعارها مرتفعة بشكل أكبر عن بقية المحافظات.
بلغت الزيادة نحو 100% في أسعار
المواد الغذائية والأدوية، ومعظم المواد الأساسية، ويرجع التجار سبب ذلك إلى
انهيار سعر الريال اليمني أمام العملات الاجنبية خاصة في الأيام الأخيرة.
فقد وصل كيس القمح 50 ك إلى 13 ألف ريال، في حين بلغ سعر الكيس الأرز العادي بـ19
ألف ريال، إلا أن معظم المحلات التجارية بالمدينة لم تغلق بوجه المواطنين.
يقول الحاج محمد، صاحب محل تجاري، إن
الأسعار لا تزال غير مستقرة بسبب عدم استقرار العملة، حتى بعد إعلان البنك عن وصول
الوديعة الأخيرة السعودية، 200 مليون دولار قدمها الملك سلمان بن عبدالعزيز، دعما
للاقتصاد اليمني، وأنه لم يغلق محله التجاري خلال الأيام الماضية، كما فعل البعض،
وأنه يبيع الكمية حتى نفادها وأنه يخسر أثناء الشراء بسبب ارتفاع الأسعار، حسب
وصفه.
غياب دور السلطة المحلية يقول
المواطنون هنا بمارب إن الأسعار مرتفعة أكثر من أي محافظة أخرى كل السلع باستثناء
الغاز والمشتقات النفطية، وأن التجار يستغلون وضع النازحين، ليرفعوا الأسعار بفارق
كبير جدا، رغم أن السلطة الملحية نفذت بعض الحملات على الأسواق لكن لم يجد المواطن
نفع تلك الحملات وأن التجار يتلاعبون بالأسعار عقب انتهاء الحملة، في حين يتذرع
التجار بارتفاع سعر الايجارات وايجار نقل البضاعة من صنعاء إلى مارب، حسب قولهم،
لكنها ذرائع واهية كما يقول مناوئون.
دور المنظمات الدولية
يتهم ناشطون المنظمات الدولية
التابعة للأمم المتحدة بأنها توظف الوضع الانساني باليمن لصالح المليشيات سواء
بشكل مباشر عن طريق دعم أنشطة المليشيات المشبوهة، أو تسليمهم المواد الغذائية
التي تذهب للسوق السوداء لتعود بالفائدة للمليشيات، ولتغطية تلك الفضيحة فقد أحرقت
المليشيات مخازن الأغذية بالحديدة التابعة لبرنامج الغذاء العالمي.
بحسب الصحفي والناشط رشاد المخلافي
فإن تحركات المنظمات أصبح مكشوفا لأي مراقب أو حتى متابع عادي، وأن تلك المنظمات
تستغل الملف الإنساني للتربح والدور الدعائي وابتزاز الحكومات والشعوب على حساب
الجانب الإنساني.
وأضاف المخلافي أن تلك المنظمات تحولت
الى طرف منحاز لطرف الانقلاب بشكل سافر ومفضوح على حساب الجانب الإنساني الذي تدعي
أنها انشأت من أجله.
يشير إلى أن تلك المنظمات
تلعب دورا في إطالة أمد الحرب من خلال انحيازها السافر والمفضوح لطرف الانقلاب
متجاوزة المرجعيات الدولية الثلاث.
لم يشهد اليمنيون منذ ثورة 26
سبتمبر1962، أياما عصيبة مثل التي تمر بهم بعد انقلاب مليشيا الحوثي على السلطة في
سبتمبر 2014، التي تفتك باليمنيين قتلا وجوعا، بعد أن نهبت رواتب الموظفين،
واختطافات، وموت تحت التعذيب، ومن سلم من ذلك تقلته الأوبئة المنتشرة منذ انتشار وباء
الانقلاب وفيروس الموت القادم من جحور وكهوف مران، لكن الشعب "حسب ما يقوله
اليمنيون" لا يقبل بالذل والانصياع ويأمل من الشرعية استعادة الدولة وتطهير
البلاد من ذلك الوباء الخبيث.