مع فتح طريق عدن صنعاء عبر الضالع .. مشاهد عاطفية مؤثرة استغلها البعض للإساءة وتصفية الحسابات .

في الوقت الذي كان يُفترض أن تتجه فيه الأنظار نحو لحظة فتح الطريق – باعتبارها انفراجة إنسانية كبرى طال انتظارها من قبل المواطنين والتجار وذوي المرضى والمسافرين – آثر البعض توجيه سهام النقد والاتهام في غير موضعها، متجاهلين حجم المعاناة التي تكبّدها المواطنون على مدار سنوات من الإغلاق القسري لهذا الشريان الحيوي.
لقد تجاهلت بعض الأصوات الإعلامية والناشطين التحديات الكبيرة التي رافقت عملية فتح الطريق، وفي مقدمتها الألغام والعبوات الناسفة التي زرعتها مليشيا الحوثي، والتي أسفرت – عصر أمس – عن مقتل أحد عناصرهم أثناء محاولته العبور بجانب خط الاسفلت.
بدلاً من تثمين هذه الخطوة الإنسانية، لجأ البعض إلى ما يشبه "الصيد في الماء العكر"، من خلال اجتزاء صور من سياقها الإنساني الطبيعي وتوظيفها سياسياً في محاولة لتشويه أطراف وطنية مناهضة لمشروع الحوثي.
طالت تلك المحاولات صوراً التُقطت خلال لحظات عاطفية مؤثرة، جمعت مواطنين بأقاربهم القادمين من دمت، إلى جانب جنود اندفعوا عاطفياً وسط الحشود لحظة فتح الطريق، في مشهد إنساني بامتياز.
إلا أن هذه الصور تم استغلالها بشكل مجتزأ ومضلل، لترويج مزاعم بوجود "تنسيق مسبق" مع مليشيا الحوثي، في محاولة للنيل من الشرعية وقوات الجيش الوطني.
لقد كنا نأمل أن يُنظر إلى الحدث من زاويته الواقعية والإنسانية، لا من خلال عدسة التشويه والتأويل السياسي. ففتح الطريق – رغم ما شابه من عراقيل – يشكل خطوة أولى نحو التخفيف من معاناة الناس، وليس ساحة لتصفية الحسابات.
ما شهدته لحظة فتح الطريق كان اندفاعاً عاطفياً عفوياً من قبل الأهالي من الجانبين، التقت وجوههم بعد سنوات من الفراق القسري. كما أن بعض الجنود وجدوا أنفسهم وسط هذا المشهد الإنساني الصعب والمعقد.
وبما أن بعض الجهات عمدت إلى استغلال تلك اللحظات وتضليل الرأي العام، فقد بات من الضروري توضيح الحقيقة ووضع النقاط على الحروف.
إن خلفيات الحدث تكشف أن مليشيا الحوثي كانت تراهن على إفشال عملية فتح الطريق حتى اللحظة الأخيرة، وقد استغلت في ذلك ما تصفه بالخلافات والتناقضات في صف الحكومة الشرعية وسعي بعض قيادات الانتقالي غير الراضية عن الخطوة إلى افتعال بعض الحركات لخلط الأوراق بهدف تحميل قيادة جبهة مريس المسؤولية عن أي إخفاق محتمل، في حال لم تتم تلك الخطوة تحت رايتها.
وقد نشطت وسائل إعلام تابعة لتشكيلات عسكرية وأمنية خارج إطار وزارتي الدفاع والداخلية، في توظيف بعض الصور المنشورة على منصات التواصل الاجتماعي للنيل من الشرعية والجيش الوطني، عبر تبني روايات تتهم أطرافاً وطنية بالتنسيق مع الحوثيين.
وتشير المعلومات إلى أن ما يسمى بـ"المسؤول الإعلامي للحزام الأمني بمريس" كان من بين من تولوا الترويج لهذا الخطاب، من خلال التواصل مع ناشطي "حراس الجمهورية" وطرح الفكرة عليهم، لتصعيدها إعلامياً على المستوى الوطني.
ولعل ما أثار استياء بعض الأطراف هو الحضور القوي والفاعل لقيادات الجيش الوطني والمقاومة، وعلى رأسهم العميد الركن عادل صالح الشيبة وفضل النميري، إلى جانب عدد من قيادات الوحدات العسكرية الأخرى، وهو ما أضعف محاولات البعض لاحتكار المشهد تحت مسميات أو رايات محددة.
والمفارقة أن غالبية الأفراد الذين ظهروا في تلك الصور المثيرة للجدل، يتبعون وحدات عسكرية وأمنية تشكلت خارج الوزارات الرسمية، وبعضهم أدلى بتصريحات لقناة "المسيرة"، مثل المدعو خباب الشعيبي، المرافق الشخصي لقائد القطاع الخامس حزام أمني بمريس، إلى جانب الجندي عبدالرزاق سعيد مصلح جعوال ورمزي الشرعبي، الذين ظهروا إلى جانب عناصر الحوثي.
أما الجندي الذي ظهر ببزة الجيش الوطني، فقد تبيّن أنه يتبع اللواء الثاني مغاوير التابع لطارق صالح ويتقاضى راتبه بالريال السعودي، ما يعكس تشابكاً في الانتماءات يجب النظر إليه بموضوعية.
وجود الجنود في تلك اللحظة كان ضمن مهام تأمين الطريق والتعامل مع المتفجرات، مع تحفظنا على التصرفات الفردية التي لا تعكس موقف المؤسسة العسكرية، والتي لم تكن لتُلفت الانتباه لولا الحملة المنظمة التي استهدفت تشويه الصورة واستغلال الحدث لأجندات خاصة.
إضافة إلى أن كل من جرى الحديث عنهم في تلك الصور، كانوا قد ظهروا في مناطق هي أصلا ما تزال تحت سيطرة مليشيا الحوثي، وليسوا في مناطق الشرعية، واندمجوا تلقائياً مع حشود المواطنين الذين تدافعوا لفتح الطريق، في لحظة إنسانية خالصة لا يجوز تسخيرها في معارك سياسية ضيقة.