مليشيا الحوثي الانقلابية ... بين محاربة التعليم ونشر الخرافة (المهداوية أنموذج)

مانشيت - متابعات :

منذ أن أحكمت مليشيا الحوثي قبضتها على السلطة ووسعت من سيطرتها ومددت نفوذها في مناطق واسعة من اليمن بفعل الانقلاب الذي قادته في العام 2014 وسيطرت على تلك المناطق وانفردت بالقرار، برزت تقاليد وخرافات وانحرافات في المحافظات الواقعة تحت سيطرتها، كما لو كان المجتمع اليمني لم يشهد تعليما من قبل.

وتعتمد جماعة الحوثي في أدبياتها على الكثير من الخرافات والأفكار الضالة التي نشطت في تسويقها ونشرها في أوساط المجتمع، سواء المستوردة منها أو تلك التي كانت حبيسة مناهجهم ومراجعهم، والتي تطفح بتلك الخرافات والضلالات، حيث عمدت الجماعة وعبر مشرفيها والعديد من الشخصيات التابعة لها على تكريسها في المجتمع والترويج لها على نطاق واسع، سواء عبر مخيماتها الصيفية التي تنشط في العطل الصيفية، أو عبر وسائل الإعلام المختلفة المملوكة للجماعة، أو من خلال المناسبات والاجتماعات المختلفة.

طفرة مهداوية

وتعتبر المهداوية بنسختها المحرفة من أكثر القضايا التي تروج لها الجماعة من خلال منهجها المستنسخ من الفكر الشيعي الإثناعشري، إذ يعد ذلك من أساسيات أفكار الجماعة الحوثية، التي ـ ووفقا للأفكار التي تعتنقها ـ تؤمن باختفاء شخصية وهمية تدعي أنها أحد أحفاد الصحابي الجليل علي ابن أبي طالب منذ أكثر من الف عام، وتحديدا في العام 260 هـ، بعد دخوله سرداب بسامراء العراق بحسب معتقداتها، حيث تعتبر واستنادا إلى الفكر الشيعي الإمامي الإثناعشري والتي باتت الجماعة تروج له على نطاق واسع، إذ تعتبر تلك الشخصية الموهومة آخر أئمتهم الإثنا عشر، وتؤمن بأن تلك الشخصية هي المهدي المنتظر والذي لا زالت الشيعة الإمامية في انتظار خروجه منذ نشأ هذا المعتقد حتى هذه اللحظة.

وقد خلق الترويج لهذه الأفكار في المجتمع اليمني حالة من الفوضى وانتحال العديد من المواطنين لشخصية "المهدي"، حيث ظهر في الآونة الأخيرة مجموعة من الأشخاص ممن يدعون المهدوية، وظهر كل واحد من هؤلاء الأدعياء مطالبا الناس باتباعه والإيمان به، معتبرا أنه هو المهدي المنتظر الذي يتحدث عنه الناس.

تسهيلات وحماية

إدعاء المهدية أو المهدوية كما بات يطلق عليها وإن كانت شائعة في بلدان عدة، إذ سبق وأن ظهر مثل هؤلاء الأدعياء في عدة دول عربية وغير عربية، إلا أنها في اليمن ووفقا لمراقبين باتت أشبه بظاهرة حقيقية، تحمل طابعا خاصا وتفاصيل أخرى.

فعادة ما يتعامل كل بلد يظهر فيه مثل هؤلاء الأشخاص بتلك الدعاوى بمسؤولية وحزم واتخاذ إجراءات لازمة، وعادة ما يخضع أولئك الأشخاص للمحاكمة والمساءلة إضافة إلى عرضهم على الطب النفسي للتأكد من صحتهم وحالتهم النفسية.

بيد أن الأمر في اليمن وتحديدا في مناطق سيطرة مليشيا الانقلاب بدا مختلفا تماما، فبالإضافة إلى تهيئة الحوثيين الجو لمثل هؤلاء، وخلق مناخ خاص سمح بشيوع مثل هذه الأفكار وظهور مثل هؤلاء الدجالين، فقد وفرت لهم المليشيا الحماية والتأييد الذي بموجبه لاقى البعض من أولئك الدجالين رواجا وشعبية في أوساط العامة من الناس، في مشهد أكثر غرابة ومدعاة للتندر والسخرية، وحالة تعكس حجم الفوضى العارمة ومدى تغلغلها في مناطق الانقلابيين، ومدى التواطؤ الحاصل من قبل المليشيا مع أولئك الدجالين، والتسهيلات التي يحظون بها في المجتمع.

مناسبات إيرانية

وقد استوردت جماعة الحوثي إلى المجتمع اليمني الكثير من العادات والأفكار والخرافات والمصطلحات والأدبيات الشيعية التي يطفح بها المجتمع الإيراني، حيث بدأ الكثير من المنتمين للجماعة الحوثية بل والمقلدين لها بمحاكاة بعض تلك العادات والضلالات، والتي تعتبر من المبادئ الأساسية للفكر الشيعي الإثناعشري.

عيد الغدير واحد من المناسبات الدينية لدى الجماعة الحوثية والذي سعت من خلاله إلى محاكاة النماذج الإيرانية، وعمدت إلى فرض الاحتفال بهذه الخرافة في المناطق التي تسيطر عليها، إذ عملت الجماعة على إحياء هذه المناسبة كل عام تزامنا مع الاحتفالات الإيرانية بهذه المناسبة أو ما يطلقون عليه بعيد الولاية.

وبحسب ناشطين يمنيين فإن الاحتفال بهذه المناسبة في المجتمع اليمني هو تكريس للعنصرية والطبقية والسلالية بأبشع صورها، إذ ومن خلال هذه المناسبة يسعى الحوثيون إلى استغلال بعض النصوص الدينية وتأويلها وفق أهوائهم، ومن ثم السعي إلى فرض أنفسهم كأوصياء على الشعب، وتكريس مفهوم السلالية والحق الإلهي المزعوم.

احتفالات الحوثيين بعيد الولاية أو بيوم الغدير وذكرى كربلاء واستشهاد الحسين، وإقامة المآتم والملاطم بتلك المناسبة، وغيرها من المناسبات والتي تسميها دينية، هي أساساً محاكاة لمناسبات إيرانية اثني عشرية دأبت الشيعة الإمامية على إحياءها كمناسبات تميزهم عن غيرهم من الطوائف.

مفاتيح الجنة

 ولم يقتصر العبث الحوثي في المجتمع اليمني على تشويه وتحريف عقيدة الناس وأفكارهم، بل وصل بهم الحال إلى استخفاف الجماعة بعقول مناصريها بإعطائهم وعودا بالفوز الأخروي، بل وإعطاء مسلحيها مايطلقون عليها "مفاتيح الجنة" والتي هي عبارة عن سلاسل حديدية يربطها المسلحون على معاصم أيديهم، اعتقادا منهم أن هذه السلاسل التي أعطيت لهم من قبل المليشيا الحوثية أنها مفاتيح حقيقية تخولهم دخول الجنة التي تمنيهم بها الجماعة الحوثية.

وقد وثقت الكثير من المشاهد التي تظهر قتلى من مسلحي الجماعة وقد أحاطت بأيديهم تلك السلاسل التي تم إيهامهم بأنها "مفاتيح للدخول إلى الجنة" كواحدة من خزعبلات الجماعة التي توهم بها مليشياتها للزج بهم في أتون حرب طاحنة حصدت أرواح الكثير من مسلحي الجماعة.

وبحسب مختصين بالشؤون الإيرانية فإن تلك الأساليب انتقلت إلى اليمن عن طريق الإيرانيين أنفسهم، فقد سبق أن استخدمها الخميني من قبل، وقد ظهرت (مفاتيح الجنة) تلك في الحرب التي اندلعت بين العراق وايران مطلع الثمانينيات، حيث كان يستخدمها الخميني أثناء الحرب كوسيلة من وسائل التأثير على الشبان المشاركين فى الحرب للاستمرار في الحرب وأحقية الاستشهاد فى سبيلها.

 

جوازات السفر

ومع مرور الأيام تتكشف الكثير من التفاصيل التي تصور عبث الحوثيين في تعاملهم مع الموالين لهم والملتحقين في صفوفهم، على نحو ملفت يعكس مدى استخفاف الجماعة بعناصرها، وعدم إلقاء أي اعتبار لأفرادها من خلال الخطاب الموجه لهم، في سياسة أشبه ما تكون بالتعامل مع القطيع.

فقد كشفت وسائل إعلام مختلفة عن ظهور ما يشبه "صكوك الغفران" بحوزة قتلى الحوثيين الذين لقوا مصرعهم على أيدي الجيش الوطني والمقاومة الشعبية في جبهات مختلفة، إذ وجدت في حوزتهم ما قيل أنها "جوازات سفر المجاهدين".

جوازات السفر تلك لم يكن الغرض منها السفر والتنقل بين البلدان بموجبها، بل وصل الأمر بالتعاطي معها خارج حدود المنطق والعقل، إذ أن تلك الجوازات التي يحملها مقاتلي الجماعة الحوثية تخولهم وفق قناعاتهم من دخول الجنة وتجاوز كل الشروط لدخولها، وذلك فور مقتلهم في جبهات القتال.

وبحسب مراقبين فإن تلك الجوازات التي تصرف من قبل جماعة الحوثي لمقاتليها كتصريح لدخول الجنة وفق أدبيات الجماعة، تعود لثمانينيات القرن الماضي، حيث قام بإصدارها قائد الثورة الإيرانية الخميني، وتم توزيعها بسرية تامة على عناصره، ليعطيهم بموجبها وعودا لدخول الجنة ويستحثهم على قتال القوات العراقية آنذاك، قبل أن يتم توريد كمية منها للجماعة الحوثية وتوزيعها على عناصرها للغرض ذاته.

شرعية ماورائية

ويرى الباحث اليمني الدكتور "كمال القِطوي" أن هناك هوة حقيقية وكبيرة بين النظم السياسية المعاصرة والطريقة المتخلفة والعقلية الرجعية التي تدير بها جماعة الحوثي البلاد.

يقول الباحث كمال القطوي "النظم السياسية المعاصرة تؤسس لشرعيتها من خلال الإنجاز الواقعي التنموي، والتعاقد الشعبي مع حكامها، بينما تعتمد النظرية السياسية للحوثي على امتداد الشرعية السياسية من الأساطير الماضوية، ولذلك لا يشعر بأي حرج تجاه الإخفاق التنموي أو المعيشي للناس، لأن غاية الغايات في المنظور السياسي الحوثي هو أن تنال السلالة حقها الإلهي المزعوم ، وليذهب الشعب إلى الجحيم".

ويضيف "القطوي" في حديثه (للإصلاح نت) "هنا انتعشت الأفكار الخرافية التي تؤسس للشرعية من خلال بطون الكتب وليس من خلال التعاقد الشرعي بين الأمة ومن يحكمها، وهكذا انتعش سوق المهدوية، لأنها تطبيق مواز ومتسق مع التطبيق الحوثي للشرعية الما ورائية".

وعن الحملة الساخرة من مهدوية الحوثيين والمتأثرين بأدبياتهم يشير الباحث "القطوي" بالقول "هناك جزء من ظاهرة المهدوية ظهر ساخرًا من الحوثية ، وهذا الجزء صورة من صور المقاومة الشعبية للخرافة الكبرى، حيث لا نستطيع أن نفسر خروج العديد من العروض المهدوية التي تبشر بنفسها ، إلا في إطار المقاومة الشعبية الساخرة من مهدوية الحوثيين".

وقد سعت جماعة الحوثي جاهدة إلى محاربة التعليم في المجتمع ونشر الأمية بكل ما أوتيت من وسيلة، وإحلال الجهل والخرافة بديلا عنه، من خلال استهداف المدارس والجامعات والمؤسسات العلمية ومحاربة الأنشطة التعليمية والتوعوية والتثقيفية، ووضع ملازمها التي تدرس عبر مخيماتها الصيفية والتي تنشط في كل عطلة صيفية لإنشائها على نطاق واسع بديلا عن المنهج التعليمي والإرث الثقافي، إذ تعتبر تلك المخيمات أحد وسائل المليشيا لنشر تلك الخرافات والأفكار الضالة، بالإضافة إلى وسائل الإعلام المختلفة التي تملكها الجماعة.