"بُحيبح".. جمهورية الفردوس التي وهبت اليمن أغلى ما تملك

مانشيت - عمر محمد حسن - خاص:

بثباتٍ هو أقرب لبرج تحاصره الأعاصير؛ تمتم الرجل: "اليمنيون كلهم أبنائي". بعد أن أخبروه بمقتل "وليد" رابع أبنائه وأكبرهم بجبهة "الملاجم" بالبيضاء؛ فلا مجال هنا للمأتم ولا خيام للعزاء بنظر "بُحيبح" الذي قدم أهله قبل الجميع قرابين للجمهورية.

غادر "وليد بُحيبح" هذه المرة في الخامس من نوفمبر الجاري، إلى حيث ينام راشد وبشير ومعتصم ؛ بعد أربع سنوات من عشق البندقية ومقارعة الحوثيين في جبهات عدة حيث اشتركت خمس بندقيات من أسرة واحدة في "مترس" واحد وتحت بيرق الجمهورية والشرعية منذ الوهلة الأولى لسقوط العاصمة صنعاء بأيدي الانقلابيين يومها وأنخرط الجميع في طابور الجيش الفتي.

كان "وليد" وهو الشاب اليافع يعمل مُصلحاً اجتماعياً كأبيه في مراد _تلك المهنة التي ورثها عن أبيه وجده_ فسطع نجمه خلال السنوات القليلة الماضية من خلال حل النزاعات؛ إلا أن اجتياح صنعاء وتفجر المساجد والقتل والاختطاف وتجويع الناس ؛ دقت معها هذه الموبقات ناقوس الخطر بالنسبة للرجل وأبيه وشارك وهو الذي يتوسد الإباء جبينه في واد هذا الداء إلى جانب قبائل مراد وعبيدة وأخرى تكفر بالإذعان لبطش الحوثيين.

لم يكن أبناء "العميد" في الجيش اليمني "بحيبح" عسكريون باستثناء "راشد"، إلا أن الحرب فرضت عليهم الخوض فيها ؛ وبعد صولات وجولات من الحرب مع المليشيات قتل بشير ومعتصم بنهاية 2015م بمحافظة مأرب وهما طالبان الأول في الجيولوجيا والثاني في الثانوية  إلا أن الدراسة في المعركة أولى بحسب الأسرة التي نالت احترام اليمنيين وإعجابهم بحجم التضحيات والكفر بعبودية الحوثيين.

سقط "راشد" مطلع العام 2017م بجبهة شبوة وهو خريج أكاديمية الشرطة التركية فتوزعت دماء أبناء "بحيبح" بثلاث محافظات يمنية ؛ إلا أن أخبار قتل الأبناء الأربعة _من أصل ستة أبناء_ زادته إصراراً على مواصلة القتال في ناطع ونعمان والسوادية ووصولاً إلى الملاجم في البيضاء وقبلها في العين وبيحان وعسيلان بشوة؛ هذا ولم تفتد أسرة "بحيح" الجمهورية بأربعة أبناء فقط، بل ذهب عدد من أبناء العمومة وأبنائهم أيضاً.

قاد  العميد "مُـفـرح محمد علي بُحيبح" _63عاماً_ عدد من الجبهات إلى جانب قبيلته قتلاً ضارياً خلال الأربع السنوات الماضية _ومازال_ ابتدأ من معارك تحرير قانية "مراد" وحريب في مأرب مطلع العام 2015م ومروراً بشبوة والبيضاء ووسط موجة من الانتصار أسند إليه قيادة  محور بيحان الذي يضم 6 ألوية عسكرية فيما سبق أن أساس وقاد اللواء 26 مشاه التابع للجيش الوطني.

وما إن سقطت صنعاء وشرع الحوثيون في التقدم صوب مأرب ؛ أمتشق "بُحيبح" وحملت أكتافه بندقية العتيقة وتسابقت مأرب بقبائلها إلى مطارح "نخلا والسحيل"  والتحف الرجل _ذو الشعر الأبيض_ بزته العسكرية ونجوم السماء العائمة مناكبه ؛ وينحدر الرجل إلى السلك العسكري بسبعينيات القرن الماضي بشمال الوطن وسبق له أن شارك _رغم صغر سنه_ بمعية الجمهوريين في معركة فك "حصار السبعين يوما" ضد الحكم الإمامي البائد بعاصمة الجمهورية العربية اليمنية في ذلك الحين.

وعمل الرجل في شبابه كرجل قبلي في السلم الاجتماعي وإصلاح ذات البين في مأرب محافظات أخرى مستفيداً من والده وأسرته المعروفة في بطون قبائل "مراد" وسار الرجل في نزع فتيل كثير من النزاعات كالثأر وقضايا أخرى دامت عشرات السنوات وخلال السنوات الماضية تدرج في المناصب القيادية بعدد من الوحدات العسكرية ودورات تخصصية بعدد من المجالات العسكرية المختلفة بعضها في الداخل والخارج. 

كسرت قبائل "مأرب" إذن والتي ينحدر منها "بُحيبح" النظرة السلبية التي زرعها الرئيس الراحل "صالح" الذي صور أبناء القبائل ومأرب حينها بأنهم مجموعة من قُطاع الطرق والمخربين على مدى العقود الماضية وما أن اندلعت الحرب تداعت قبائل مأرب إلى نجدة الجمهورية وأزفت هذه النظرة بعيون اليمنيين ؛ كيف لا ومأرب اليوم أضحت خدر أمٍ تحتضن من شردتهم المليشيات من مشارق البلاد ومغاربها وفق متابعين.