قراءة تحليلية لخطاب أحمد علي عبدالله صالح في الذكرى الـ43 لتأسيس المؤتمر الشعبي العام ( الصمت المربك وعجز اللحظة)

مانشيت - عبدالعزيز الحمزة:

في ذكرى الرابع والعشرين من أغسطس 1982، حين وُلد المؤتمر الشعبي العام كإطار جامع للنظام السياسي بقيادة الرئيس الراحل علي عبدالله صالح، لم يكن أحد يتخيّل أن يصل الحزب بعد ثلاثة وأربعين عامًا إلى هذا القدر من الانقسام، وأن يُحتفل بذكراه في ظل سلطة انقلابية جثمت على صنعاء.
في مثل هذه اللحظة الحرجة، خرج أحمد علي عبدالله صالح لأول مرة بكلمة علنية موجهة إلى قيادات وكوادر الحزب. غير أن الخطاب، الذي انتظره كثيرون بوصفه اختبارًا لمقدرة الرجل على ملء فراغ القيادة، جاء ضعيفًا وباردًا، كمن يتهيب من قول الحقيقة أكثر مما يحرص على النطق بها.

خطاب يختزل الكارثة الوطنية في اعتقالات حزبية

المتمعن في كلمة أحمد علي يدرك أنها لم تتجاوز سقف “بيان استنكار” موجّه ضد حملة اعتقالات طالت بعض قيادات المؤتمر في صنعاء. فالخطاب لم يسمِّ الحوثيين بما هم عليه: سلطة انقلابية مسلحة اغتصبت الدولة في 21 سبتمبر 2014، بل اكتفى بوصفهم كمعرقلين لمسار السلام، وكأن معركة اليمن كله تختصر في بعض السجناء السياسيين، لا في مأساة وطن مسلوب الدولة والسيادة.

بل إن الخطاب مرّ مرورًا عابرًا على التضحيات الكبرى للمؤتمر، وذكر مؤسسه علي عبدالله صالح ورفيقه عارف الزوكا في سياق عام للشهداء، لكنه تجاهل تمامًا حادثة مقتل علي عبدالله صالح على يد الحوثيين في ديسمبر 2017، تلك اللحظة المفصلية التي غيّرت مسار المؤتمر، وأنهت تحالفه الملتبس مع الحوثيين بدموية مأساوية. هذا الصمت عن أهم واقعة في تاريخ الحزب الحديث لا يُقرأ إلا باعتباره مراوغة متعمدة، أو عجزًا عن مواجهة إرث ثقيل لم يجرؤ أحمد علي على مكاشفة جمهوره به.

غياب الرؤية الوطنية وتجاهل التحالف العربي

لم يطرح أحمد علي أي دعوة إلى اصطفاف وطني شامل لمواجهة الانقلاب الحوثي، ولم يقدّم خطة لإعادة لُحمة المؤتمر المنقسم بين أجنحة متعددة (صنعاء، طارق، بن دغر، الميسري، والشرعية السابقة). بدا وكأن الخطاب يوجَّه فقط إلى قواعد المؤتمر في مناطق الحوثي، رسالة داخلية محصورة في أزمة حزبية ضيقة.

الأدهى من ذلك، هو تجاهله التام للتحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة. هذا التحالف، الذي مثّل منذ 2015 حجر الزاوية في منع سقوط اليمن الكامل بيد المشروع الحوثي – الإيراني، لم يرد له ذكر في الكلمة لا من قريب ولا من بعيد. وكأن أحمد علي أراد أن يتعمّد مغادرة ساحة الاصطفاف العربي والإقليمي إلى دائرة انكفاء حزبية باردة، بينما اللحظة الوطنية تستصرخ القادة لتجديد العهد مع شركاء معركة التحرير واستعادة الدولة.

خطاب إدارة أزمة… لا خطاب قيادة وطنية

بهذا الشكل، بدا خطاب أحمد علي أقرب إلى إدارة أزمة حزبية منه إلى إعلان قيادة وطنية. اختُزلت المأساة في اعتقالات حزبية، وغاب توصيف الانقلاب، وتجاهلت الكلمة التحالف العربي، وتفادت مراجعة تحالف المؤتمر السابق مع الحوثيين، بل وأهملت الإشارة إلى مقتل مؤسس الحزب على يد حلفاء الأمس.

لغة الخطاب كانت أقرب إلى التطمين البارد: “سحابة صيف وغُمّة ستنقشع” و“ما بعد الليل إلا الصباح”، وهي استعارات وجدانية ضعيفة لا تُقنع جمهورًا يواجه حربًا مفتوحة منذ أحد عشر عامًا، ولا تلبي حاجة قواعد المؤتمر التي تبحث عن رؤية، ولا تطمئن القوى الجمهورية التي تنتظر قيادة واضحة الوجهة والهدف.

ما كان ينبغي أن يُقال

كان يمكن للخطاب أن يتحول إلى وثيقة سياسية مفصلية لو تضمن:

تسمية الحوثي بوضوح: انقلاب مسلح اغتصب الدولة.

دعوة صريحة لمؤتمر عام يوحد أجنحة الحزب المتنازعة.

إعلان اصطفاف جمهوري شامل مع القوى الوطنية تحت مظلة الشرعية.

إشادة واضحة بدور التحالف العربي ودعوة لتجديد التنسيق معه.

مراجعة شجاعة لخطأ تحالف المؤتمر مع الحوثيين قبل ديسمبر 2017.

برنامج عمل وطني يتجاوز الاستنكار إلى بناء أدوات مواجهة: حقوقية، إعلامية، وسياسية.


الطموح والخيبة

خطاب أحمد علي عبدالله صالح في ذكرى تأسيس المؤتمر الشعبي العام جاء خطوة صغيرة في كسر جدار الصمت تجاه الحوثي، لكنه لم يرقَ إلى خطاب قائد يريد أن يستعيد الدولة ويعيد للحزب وحدته ودوره. لقد تجاهل التحالف العربي، وتجنب توصيف الانقلاب، وغض الطرف عن مقتل والده على يد الحوثيين، ولم يطرح أي رؤية عملية لتوحيد الحزب أو الاصطفاف الوطني.

وبذلك، يظل الخطاب أضعف بكثير من لحظة اليمن الراهنة، لحظة تتطلب وضوحًا في العدو، شجاعة في المراجعة، وجرأة في الدعوة للاصطفاف الوطني والعربي من أجل استعادة الدولة. أما أن يُختزل الأمر في اعتقالات حزبية ومناشدات للمجتمع الدولي، فذلك لا يُبقي من الخطاب سوى صورة رجلٍ لا يزال أسير حسابات الماضي، عاجزًا عن أن يكون قائدًا لمستقبل الجمهورية.

--
ملاحظة:
نص كلمة احمد علي في موقع اليمن اليوم