مفتاح النصر
كيف تصنع الدولة الشرعية نموذجًا للعدل والقوة الشعبية في مواجهة الحوثي؟
حين نتأمل سنن الله في الأمم والشعوب، ندرك أن النصر لا يُمنح اعتباطًا، ولا يتحقق بالعدة والعتاد وحدهما، بل هو ثمرةٌ لعدلٍ يُقام، وحقوقٍ تُصان، وضعفاءٍ يُنصفون. إن مفتاح النصر، كما علمتنا التجارب وأرشدتنا النصوص، يبدأ من رحم الإنسانية ،أن تطعم الجائع وتكسو العاري وتنصر المظلوم وتؤوي المشرّد وتعالج المريض.
عندها يتفضل الله على الأمة بمكافأةٍ من جنس عملها؛ فيمنحها الغلبة على من هو أقوى منها عسكريًا واقتصاديًا.
وإذا أسقطنا هذا المفتاح على المشهد اليمني، فإن الحكومة الشرعية تمتلك اليوم فرصة تاريخية لصياغة مشروع مختلف، مشروع يوازن بين مقتضيات الحرب وضرورات السلم الداخلي. فالمعركة مع مليشيا الحوثي ليست مجرد مواجهة بالسلاح، بل هي في عمقها منافسة بين مشروع دولة يرعى مواطنيه، ومشروع مليشيا يقهر الناس وينهبهم باسم الاصطفاء الإلهي وحق السلالة.
لقد شهدت المحافظات المحررة في الآونة الأخيرة بوادر تحسن نسبي في المؤشرات الاقتصادية، انعكس في تحسن سعر صرف العملة المحلية واستقرارها النسبي مقابل العملات الأجنبية. هذه اللحظة ليست تفصيلًا اقتصاديًا عابرًا، بل هي فرصة سياسية يجب أن تستثمرها الشرعية لترسيخ ثقة الناس، عبر إطلاق مشروع اقتصادي خدمي متكامل يُترجم هذا التحسن إلى واقع ملموس: كهرباء منتظمة، مياه نقية، مدارس مؤهلة، ومستشفيات قادرة على خدمة الناس بكرامة.
وفي قلب هذا المشروع العادل، يبرز ملف المرتبات والأجور باعتباره مقياسًا حقيقيًا للإنصاف. فمن غير المقبول أن يبقى آلاف الموظفين والجنود والمعلمين في الداخل يستلمون رواتب متدنية وبالعملة المحلية المتآكلة، بينما يحصل مسؤولون وموظفون في الخارج على مرتبات ضخمة بالعملات الصعبة، تُضاف إليها مصاريف إعاشة وإقامات فندقية. إن بناء الثقة بين الدولة ومواطنيها يبدأ من هنا: صرف الرواتب بانتظام، وتوحيد سلم الأجور وفق الدرجات الوظيفية، بحيث يتساوى الجميع أمام القانون والعدل. عندها فقط يشعر المواطن أن الدولة تقف إلى جانبه، وأنها تنصره لا تُميّز عليه.
فالناس لا يقاتلون من أجل شعارات مجردة، بل من أجل العدالة والعيش الكريم. وإذا رأت الجماهير أن الشرعية تنصر المظلوم، وتحمي الفقير، وتوفر لقمة العيش والأمن، فإنها ستقف معها بقوة، وتتحول مناطق سيطرتها إلى نموذج مضاد يفضح المشروع الحوثي. عندها ستنكشف المليشيا على حقيقتها: عصابة حرب لا تستطيع أن تقدم للناس سوى الفقر والقمع والجباية، بينما تقدم الدولة الأمل والاستقرار.
إن مفتاح النصر يكمن في بناء مشروع داخلي عادل وملموس، يجعل المواطن شريكًا للدولة لا متفرجًا على صراعها. ويتحقق ذلك عبر ثلاثة محاور مترابطة:
العدل الاقتصادي والاجتماعي: توحيد سلم الرواتب وصرفها بانتظام، وإنهاء الفوارق بين موظفي الداخل والخارج.
تحويل التحسن الاقتصادي إلى ثمار ملموسة: استثمار استقرار العملة في تحسين الخدمات الأساسية ليكون نموذجًا مضادًا لخراب المليشيا الحوثية.
ترسيخ شرعية راعية لا شكلية: مكافحة الفساد، ورعاية الفقراء وأسر الشهداء والجرحى، وإنصاف المظلومين.
وبينما تحقق هذه الخطوات ثقة الناس في الداخل، فإنها في الوقت ذاته تُعيد الاعتبار لمفهوم الشرعية أمام الإقليم والعالم، باعتبارها مشروع دولة جامع قادر على إدارة الأرض والناس بمسؤولية. فحين تُثبت الحكومة أنها حاضرة بقدرتها على تقديم الخدمات وصون العدالة، فإنها تكسب الشرعية الشعبية والدولية معًا، وتقطع الطريق على المليشيا التي تتغذى على فشل الدولة.
بهذه الرؤية، يتحول الداخل إلى قوة صلبة تحاصر الحوثي من عمق المجتمع، وتُثبت أن الدولة أقوى بسلاح العدل من المليشيا بسلاح القمع. وحينها فقط، يمنح الله اليمنيين نصرًا على خصمٍ يتفوّق في العدة، لكنه ينهزم أمام عدالة الدولة ورعايتها للإنسان.

