مقابلة آل جابر وكراهية الحقيقة!!!
تابعت كغيري المقابلة المثيرة للجدل للسفير السعودي في اليمن السيد محمد آل جابر، مع وكالة الأنباء الإنسانية (ايرن)، ولفت نظري في هذه المقابلة ما حملته من وضوح تجاه الكثير من القضايا التي تشغل الرأي العام اليمني والإقليمي والدولي، كما لفتت نظري ردود الفعل لما حملته المقابلة لبعض الأطراف المعنية.
ومع المآخذ على بعض ما ورد في المقابلة باعتباره تجاوزا للحدود الدبلوماسية؛ إلا أن ما يميز هذه المقابلة أنها حفلت بالتلقائية، وبالتالي وضعت الحقيقة كما هي دون رتوش.
اعتادت المملكة العربية السعودية، على الوضوح في تعاطيها مع القضايا التي تمس أمنها، مثلما، اعتادت في سياساتها أن تضع مصالحها في المقام الأول، وكانت المملكة واضحة في موقفها من قضية الجنوب، وضوحا لا يستدعي اندهاش البعض الجنوبي حيال ما حملته المقابلة؛ فالسعودية لم تتبع سياسة العصا والجزرة مع أبناء الجنوب، ولا سوقت لهم الوهم، كما فعلت للأسف بعض أطراف «التحالف» مع بعض العقول الجنوبية الحالمة بحكم الجنوب، وعلى ذلك جاءت مقابلة السفير، لتؤكد أن «القضية الجنوبية» لا يمكن حلها عسكريا، في رسالة واضحة لأي طرف كان جنوبيا أو شماليا، مفادها أن المملكة لن تسمح بأي عمل عسكري جديد يزيد المنطقة فوضى واضطرابات، وهي التي تتابع عن كثب حالة التحشيد المناطقي والجهوي تجاه هذه القضية سواء في الشمال أو الجنوب!!.
كان الوضوح سيد مفردات المقابلة، وهو الأمر الذي في اعتقادي جعل الأطراف الرئيسية (الشرعية والانقلابيين) حتى اللحظة تتجنب التعليق على ما حوته المقابلة، مما يؤكد أن كل طرف يعمل بصمت لتحويل حقائق هذه المقابلة إلى أسس عمل في المرحلة القادمة، والى أسس تصحيح لأخطاء المراحل السابقة.
في الجانب الاخر هناك الطرف الجنوبي الذي أصر بعض «غوغاءه» على أن يبقيه طرفاً غير رئيسياً في هذه الأزمة خدمة لأجندة معركة جنوبية خاصة تسيطر على عقلية هؤلاء «الغوغاء» زرعتها صراعات الزمن الغابر، فقد أصيب وكالعادة بإسهال القراءة والتفسير والتحليل التي تنتابه عقب كل متغير وتنتهي إلى لا شيء سوى خلق المزيد من العداوة والأعداء!!.
لم أطالع دعوة لأي جنوبي تابعت قراءته وتحليلاته، إلى ضرورة الاستفادة مما ورد في طرح السفير، واستغلال ذلك لبناء توجه سياسي ينقذ ما يمكن إنقاذه، ويضع القضية في المربع الفاعل كطرف ويخرجها من مربع الانتظار كورقة يوظفها الجميع في وجه الجميع، وذهب كل واحد في تحليله انطلاقا من الظروف المحيطة به ووجدنا أنفسنا من جديد أمام حالة هذيان تقود إلى حالة توهان، والمحصلة صفر!!.
الهجوم على السفير السعودي، لأنه تحدث أن «القضية الجنوبية» لا يمكن حلها عسكريا كان بالإمكان تحويله إلى خطاب سياسي إيجابي يفضي إلى بداية سياسة جديدة، فمفردات المقابلة حملت الكثير من المفاتيح بإمكان العقل السياسي الاستفادة منها، وأنا على يقين أن «الانقلابيين» سيستثمرون تلك المفاتيح ويوظفونها، وعلى نفس اليقين بأن «الشرعية» ستتحرك ببطء كالعادة، ولكنها سيكون لها نصيبا من استثمار تلك المفاتيح ولو بعد حين، وما يقلقني هو رد الفعل الجنوبي فقد بدأ منفعلا وهذا يعني أن الرؤية ستحجب، وسنجد أنفسنا إذا لم يتحرك العقلاء ما دون نقطة البداية!!.
عندما تحدث السفير السعودي بقوله: (...سنضغط على شرعية الرئيس هادي)، فرح العقل الجنوبي غير الواعي وهلل، وكانه وقع بالأحرف الأولى على اتفاقية «استعادة الجنوب» وكان الأجدر سياسيا إزاء هذا الحديث الذي يأتي في مقدمة ما يؤخذ على مقابلة السيد السفير، أن يقلق العقل السياسي الجنوبي وأن يرفض هذا القول ويدينه ويعتبره مدخلا لإعادة تقييم العلاقة مع الرئيس هادي، وتصحيح ما يعكر صفوها، واعتقد أن هذا هو الطريق الأسلم والانجع، بدلا من الطرق الأخرى غير المعلنة!!.
نحن في الجنوب بعيدا عن المكابرة، وعن النفس المناطقي المريض، وبعيدا عن أحلام إحياء الجمهوريات اليمنية الديمقراطية المتنازع على امتلاك تاريخها نحتاج إلى إعادة ترتيب أولوياتنا، وأسس تعاطينا مع «الشرعية» الممثلة بالرئيس الجنوبي هادي، وبحاجة إلى إسناد الرجل لإفشال أي محاولات للضغط عليه، لا أن نهلل لسماعنا لتلك التهديدات لأن البديل القادم لن يكون أرحم بالجنوب من الرجل، والحكمة تفرض علينا التوقف عن إضاعة الفرص والاستفادة مما هو متاح اليوم. فالتعاطي مع «الشرعية» بعنصرها الجنوبي أفضل بكثير من الذهاب إلى المجتمع الدولي بأكثر من فصيل جنوبي كممثل، لأن هذا بحد ذاته يعد أول خطوة في طريق إضاعة الحق الجنوبي، لأن تعدد التمثيل الجنوبي رسمياً يؤكد حالة الصراع في الجنوب، وبالتالي يضع أمام العالم ألف مبرر لحرمان شعب الجنوب من المطالبة باستعادة حقه!!