إلى روح الشهيد محمد صالح طماح
إلى فئام من الناس لايزالون قابضين على
الشرف كالقابضين على الجمر؛ ينتظرون الخلاص .
أكتب إليك يا صديقي وقد فارقت دنيانا الفانية
، وأنت بين يدي خالقك، سائلًا الله لك كرمه
وعفوه ورحمته ومغفرته .
رحل طماح الرحيل الذي يليق به،من المكان
الذي بدأ منه مشوار حياته، ليختم مشواره بما بدأه ،بدأ جنديًا مقاتلًا ، وانتهى قائدًا
يتقدم الصفوف؛ يزاحم الكبار بالمناكب والركب في معركة استعاده الوطن .
رحل طماح في يوم،وشهر مشؤم في حياتنا؛أشأم
من طويس عند العرب !
رحل طماح قابضًا على شرفه العسكري، بيمينه،
وقابضًا على على جراحه بشماله، متعاليًا على الجراح، لأنه آثر الشرف على العار، والنصر
على الهزيمة، والكبرياء على الذل والسقوط والتبعيه، فقبض على قبعته باليمين رمز القوة
والكبرياء والعظمة ، في حين قبض على جراحه بالشمال؛ اليد التي لا يوكل إليها إلا الأعمال
الزائدة عن الحاجة !
رحل طماح قابضًا على قبعته، التي تحمل شعار
اليمن الكبير، متعاليًا على جراحه،لأن الشرف إذا هوى إلى الأرض لايصعد مرة أُخرى إلى
السماء، كالدخان تمامًا، حين يصعد إلى السماء لايعود إلى الأرض أبدًا .
حتى لايسقط الشرف آخر رسالة وجها طماح للأجيال
اليمنية، رسالة خطه بدمه، وحمَّلها مبادئه التي آمن بها ، وعاش من أجلها، ومات في سبيلها،ولما
كانت رسالة مودِّع، أحكم مبناها بدقه، وأبلغ معناها بإيجاز، فأجاد معناها ومبناها معا،
فجاءت دقيقة المبنى، عظيمة المعنى .
رحل طماح قابضًا على شرفه العسكري بيمينه
رمز قوته، لأن الأوطان باقية لاتموت، تستمد بقاءها وديمومتها من روح الشرف،وكبرياء
الكرامة، لذا لا تُلقى في لحدِِ، أو تُطوى في كفن ، لأن الأوطان لا تأويها المقابر،
فقبض على قبعته بيمنه لأنها تحمل رمز الوطن، وقبض على جراحه بشماله ،لأن الأجساد تُبلى،
ويطويها الزمن، فقبض على شرفه بيمينه ، وقبض على إصابته بشماله، متحديًا نزيف دمائها،
وآلام جراحها !
انظر يا من بعت شرفك، وخنت وطنك، وأعطيت
الدنيَّة في دينك، وقيمك، ومبادئك، كيف يرحل الكبار علها تصيبك نفحة عابرة من كبرياء
أرواحهم العظيمة .
اعد النظر كرتين؛في هذه اللوحة،لعل حرارتها
تحرق طبقة الصدى الذي أورثك إياه الذل،واطعمتك إياه المهانة،وأسقاك إياه الخنوع والتبعية،
فَرُبَّ كلمة أيقضت أمة، وربَّ نظرة أحيت روحًا .
انظر إلى هذه اللوحة الطماحيَّة التي جمعت الجمال والبطولة معا، جمال فاق ألوان وتعابير قسمات الوجه المزدوج الذي تركته آثار ريشة دافنشي على لوحة المونليزا الشهيرة ، فروعة جمال الوجه الذي حمل وجهين معا أورث دافنشي الخلود،وجعل منه ظاهرة إنسانية عابرة للقارات ، كذلك جمعت اللوحة الطماحيَّة في رمزيَّتها معنيين مختلفين؛ الأول يرمز للمعاني الأبدية السرمدية، والآخر لمعاني آنية فانية، لذا آثر الأبدي على الفاني، فقبض على شرفه بيمينه ،وقبض على جراحه بشماله... لوحة ستظل الأجيال تستمد منها معاني الوفاء، وتنهل منها قيم الرجولة والإباء،وتستلهم منها معاني العظمة والكبرياء .