حقيقة مهاجمة سوزان رايس للسعودية

تحولت قضية خاشقجي إلى لعبة مزايدات وكرة سياسية، ولكنها كشفت بشكل واضح عن التوجهات الأيديولوجية القوية والمشاعر الدفينة المكبوتة ليس فقط من شخصيات عادية ولكن من مسؤولين مهمين أخفوا مواقفهم الحقيقية التي غلفوها سابقاً بالدبلوماسية والمجاملات الرسمية.

أبرز هذه الشخصيات هم أعضاء بارزون من فريق الرئيس السابق أوباما، الذين أزالوا الأقنعة واستثمروا في قضية خاشقجي من أجل الهجوم على الرئيس ترمب لإضعافه قبيل الانتخابات، ولتشويه صورة السعوديين من أجل تجميل صورة أصدقائهم الإيرانيين. ومن الواضح أن هذا الاندفاع الجماعي والدوس على كل التقاليد السياسية هو بسبب الاعتقاد أنها فرصة لن تتكرر مرة أخرى.

فقد كتبت مستشارة الأمن القومي السابقة سوزان رايس مقالاً ساخطاً في النيويورك تايمز، انطلقت فيه من قضية خاشقجي لتشكك بدور السعودية وكونها حليفاً لا يمكن الوثوق به. من يقرأ المقال يدرك سريعاً أن هدف رايس ليس خاشقجي بل الانتقام من ترمب وتسجيل نقاط ضده في خدمة حزبها الديمقراطي، ويقال إنها ستقوم بالترشح للكونغرس في انتخابات ٢٠٢٠.

هذا الهدف الداخلي، ولكن الهدف الخارجي هو عقيدة رايس المتصادمة مع موقف السعودية ودورها.

فرايس، مثل أوباما، تميل للإيرانيين سياسياً وأيديولوجياً، ولم تنزعج من توسعهم العسكري والسياسي في المنطقة. لم تنتقدهم عندما كانت سفيرة في الأمم المتحدة، ولم تقم بأي خطوات عملية عندما كانت مستشارة للأمن القومي للحد من المجازر المروعة التي ارتكبوها، بل أكدت على موقفها التصالحي الناعم من خلال الاتفاق النووي الإيراني الذي احتفلت به مع فريقها.

في المقابل صبت رايس غضبها على إدارة ترمب وحليفتها الرياض بسبب نقض الإنجاز الكبير لإدارة أوباما، وقالت في تصريحات متكررة إن هذا الانسحاب قمة الغباء، وسيمكن الإيرانيين من الانتصار في نهاية المطاف. وهذا بالطبع غير صحيح، حيث يشهد النظام الإيراني أوضاعاً صعبة في ظل حصار اقتصادي غير مسبوق.

الأيديولوجيا تحجب عيني رايس عن رؤية الحقائق على الأرض. لا تذكر أي شيء عن الجرائم المعلنة للنظام في طهران داخل إيران وخارجها (سوريا مثال)، وعن الميليشيات الإرهابية التي زرعتها في العالم، وتعتبره الحليف الأقوى والأهم. وبذات الوقت تتجاهل عن عمد الدور السعودي الحيوي في المحافظة على استقرار المنطقة من خلال حرب شرسة متواصلة ضد التنظيمات الإرهابية السنية والشيعية والأنظمة المارقة، وتستغل قضية خاشقجي المعزولة التي اتخذت فيها إجراءات قانونية صريحة للعالم لرسم الصورة السعودية بصورة القوة المتهورة غير الموثوقة.

في الثورة الخضراء عام ٢٠٠٩، قامت السلطات الإيرانية بانتهاكات مريعة، وقتلت المئات واعتقلت الآلاف، ولم تكتب حينها رايس مقالاً في النيويورك تايمز تطالب بمعاقبة إيران، بل على العكس صمتت مثلما فعل الرئيس أوباما الذي صرح حينها أن حديثه سيستغل ضد الثوار. الذي حدث أن صمت الإدارة الأميركية منح الضوء الأخضر للحرس الثوري للإجهاز على المتظاهرين وسفك الدماء بلا رحمة. وتأكدنا بعدها أنها كانت خدعة، لأن إدارة أوباما صمتت حتى لا تخرب الصفقة النووية التي ستعرضها لاحقاً على الإيرانيين.

رايس لم تصمت فقط عن هذه الخطوة السيئة في ذلك العام، ولم تهاجم إدارة ترمب بعد نقض الاتفاق النووي وحليفته الأقرب السعودية، بل طالبت الإدارة الأميركية الحالية بالصمت أيضاً حيال المظاهرات الشعبية الأخيرة بعد أن تحدث الرئيس الأميركي وأعضاء من إدارته عن دعم الشعب الإيراني المنتفض.

وموقف رايس المعادي أيديولوجياً للسعودية لم يقتصر فقط على قضية خاشقجي، ولكن سبقتها أيضاً في مواقف عديدة، مثل الخلاف السعودي الكندي. فقد نشرت رايس تغريدات تهاجم الإدارة الأميركية لعدم اتخاذها موقفاً حازماً ضد السعودية يتماشى مع القيم والمصالح الأميركية.

المصالح الأميركية في نظر رايس تنسجم مع المصلحة الإيرانية حتى لو كان النظام الأكبر دعماً للإرهاب، بحسب وزارة الخارجية الأميركية ذاتها. ولكنها في ذات الوقت تحرض على السعودية بسبب خلاف دبلوماسي مع دولة أخرى. من الصعب تخيل أن تقول رايس شيئاً عن مخططات التفجيرات الإيرانية الأخيرة في فرنسا، والاغتيالات التي خططت لها الاستخبارات الإيرانية قبل ساعات في الدنمارك. ومن المثير للغرابة أن تهاجم رايس السعودية بعد أن كسرت كندا الأعراف الدبلوماسية وتدخلت في شأن داخلي في الوقت الذي ينادي فيه الرئيس ترمب رئيس وزراء كندا ترودو بالرجل الجبان والمهزوز!

أغلب أعضاء فريق أوباما مثل نائب الرئيس جو بايدن ورئيس الاستخبارات جون برينان، يكررون ذات الأفكار والمطالبات. ولكن رايس هي الوجه الوقح والمعلن للاستغلال السياسي لقضية خاشقجي التي كشفت بشكل واضح النفاق الأخلاقي والرغبة في استغلال قضية مواطن سعودي ضد بلده لأهداف سياسية وأيديولوجية بحتة.

حاولت رايس أن تقدم نقاشاً منطقياً ولكنها عبرت عن ضغائن على هيئة توصيات للإدارة الأميركية لفض التحالف مع السعودية والتقارب مع إيران. من السهل فهم هذه المرارة لو وضعنا هذا الموقف في سياق سياسي وأيديولوجي. فالسعودية وقفت أمام المشروع الأيديولوجي اليساري في الشرق الأوسط الذي تبنته إدارة الرئيس أوباما في مصر وضد إيران والإخوان. التحالف مع إيران لتكون القوة الأكبر ودعم الإسلام السياسي السني ممثلاً بالإخوان المسلمين كما حدث في عام ٢٠١١.

لهذا ليس بالغريب أن نرى هذه الأطراف الثلاثة: اليساريين والإيرانيين والإخوان، ينامون على سرير واحد ويتّحدون هذه الأيام في معسكر موجه ضد السعودية وتحديداً ضد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. ولكن المعسكر العدائي كشف العكس مما سعى إليه. قوة الدولة السعودية وتجذر الشرعية السياسية وصلابة الهوية الوطنية لدى المواطنين السعوديين.