معركة الشرق: حين انكشفت أجندة أبوظبي وسقطت أوراقها( تطورات جديدة)

ما يجري اليوم في الشرق اليمني لم يعد خلافًا في التكتيك أو تباينًا في وجهات النظر داخل التحالف، بل مواجهة سياسية مفتوحة مع مشروعٍ إقليميٍ تقوده أبوظبي خارج منطق الشراكة، وضد مصالح اليمن والخليج معًا. فالأحداث المتسارعة تكشف، بلا مواربة، أن الإمارات تجاوزت منذ وقت طويل دور “الشريك” إلى دور اللاعب المنفلت الذي يسعى لفرض وقائع جيوسياسية بالقوة، ولو على حساب استقرار الإقليم.
استدعاء السعودية لقيادات محور عتق ومحور بيحان وقائد النخبة الشبوانية لم يكن إجراءً إداريًا، بل رسالة مباشرة: شبوة دخلت قلب المعركة. فهذه المحافظة، بثرواتها وموقعها، تمثل خط الدفاع الأول عن الشرق، وهي العقدة التي حاولت أبوظبي مرارًا تحويلها إلى منصة نفوذ وابتزاز سياسي واقتصادي. إدخال شبوة في الترتيبات الجديدة يعني عمليًا كسر أحد أهم مفاتيح المشروع الإماراتي في اليمن.
في الخلفية، كان التحرك الدبلوماسي السعودي أكثر وضوحًا من أي وقت مضى. زيارة وزير الخارجية السعودي إلى مسقط ولقاؤه بالسلطان هيثم لم تكن مجرد تنسيق ثنائي، بل إعلان غير مباشر عن تحالف إقليمي مضاد للفوضى الإماراتية. هذا التقارب السعودي–العُماني يضرب في العمق أحد أخطر رهانات أبوظبي: تحويل الشرق اليمني إلى خاصرة رخوة تهدد عُمان وتبتز السعودية.
وليس عبثًا أن خرج أنور قرقاش بتصريحات مرتبكة؛ فهي ليست “رأيًا”، بل رد فعل عصبي على مسار إقليمي يتشكل خارج السيطرة الإماراتية. فالسعودية لم تعد تتحرك منفردة، بل أعادت ربط قطر، وفتحت خطًا استراتيجيًا مع عُمان، وتتجه بخطى ثابتة نحو الكويت والبحرين، في ملامح حلف خليجي جديد، هدفه الواضح: عزل المشروع الإماراتي سياسيًا وأمنيًا.
دخول قطر في هذا المسار ليس ترفًا سياسيًا. فتهديد أبوظبي بالتمدد نحو غاز اليمن لم يعد سرًا، وهو تهديد يمس صميم الأمن الطاقوي القطري. أما عُمان، فقد حسمت موقفها انطلاقًا من أمنها القومي، ورفضها القاطع لأي سيناريو يعيد إنتاج توترات تاريخية على حدودها الشرقية. القطيعة السياسية بين مسقط وأبوظبي لم تعد صامتة؛ بل تُترجم اليوم في اصطفافات واضحة.
في هذا الإطار، تأتي سقطرى بوصفها ساحة كاشفة. إغلاق السعودية للمجال الجوي في الجزيرة بعد يوم فقط من لقاء سعودي عماني هو أول إجراء سيادي حقيقي يكسر وهم “النفوذ المحصّن”. الرسالة واضحة: سقطرى ليست غنيمة، بل جزء من صفقة كبرى تهدف إلى تحرير الشرق اليمني كاملًا، من العرقوب حتى صرفيت، من قبضة الوكلاء والمليشيات العابرة للشرعية.
الأهم من كل ذلك، أن المعركة لم تعد حبيسة الغرف المغلقة. الحضارم حاضرون بقوة في الفضاء العام، وصوتهم هذه المرة مختلف: واثق، منظم، ومسنود سياسيًا. للمرة الأولى، يقف الذباب الإماراتي عاجزًا، بلا سردية، بلا أخلاق، وبلا قدرة على التشويش، أمام عاصفة شرق حضرمي–سعودي أعادت تعريف من يملك الأرض ومن يحدد مستقبلها.
الخلاصة أن مشروع أبوظبي في اليمن دخل مرحلة الانكشاف الكامل. لم يعد مشروع “مكافحة إرهاب”، ولا “استقرار”، بل مشروع نفوذ خام، قائم على السيطرة على الموانئ والجزر والطاقة، ولو على أنقاض الدول. والشرق اليمني اليوم يقول كلمته بوضوح: لا مكان للمشاريع الوظيفية، ولا للهيمنة المقنّعة، ولا لمن يتعامل مع الأرض بوصفها صفقة.
ما بعد هذه اللحظة ليس كما قبلها. فالمعركة انتقلت من إدارة الخلاف إلى كسر المشروع، ومن الصمت إلى المواجهة السياسية المفتوحة. وفي هذه المواجهة، تبدو أبوظبي للمرة الأولى… في موقع الدفاع.

مقالات الكاتب