هل تفرط دمت بأسرار نهضتها وتميزها؟!

ليست المدن بمبانيها وحدها، ولا بكثافتها السكانية أو زحمتها المرورية، إنما بروحها، وخضرتها، وملامحها البيئية التي تمنحها التوازن والجمال.

ومدينة دمت، الواقعة شمال محافظة الضالع، كانت مرشحة لأن تكون من بين أجمل مدن اليمن، لما تمتلكه من تكوين جيولوجي نادر وموارد طبيعية فريدة، أهمها الحرضات البركانية التي تفجّر مياهاً كبريتية، تمنح الحياة للمنطقة، وتشكّل مصدر جذب سياحي وعلاجي.
فرصة ضائعة منذ 2005م
في العام 2005م، أطلقت الحكومة اليمنية برئاسة الدكتور عبدالقادر باجمال مخططاً حضريا حديثاً، نفذته شركة اتحاد المقاولين العرب، بتمويل بلغ نحو 300 ألف دولار.
هدف المخطط إلى تحويل محيط الحرضات البركانية إلى مساحات خضراء وحدائق عامة، تحفظ الطابع الطبيعي وتثري الجاذبية البصرية والبيئية للمدينة.
لكن أجزاءً من هذا المخطط بقيت حبيسة الورق، ولم تُنفذ، وظلت المناطق المحيطة بالحرضات عرضة للإهمال والتعديات
عبث ممنهج..
لم تصمد تلك الأراضي كثيراً فمع اجتياح سلطات ميليشيا الحوثي للمدينة، بدأ العبث يطال كل شيء، بما في ذلك المعالم البيئية ذاتها.
تم البناء داخل "حرضة الشوّلي"، وهي ثالث أكبر الحرضات بعد "ربيبة"، في تعدٍّ سافر على البيئة والمخطط الحضري المعتمد.
المأساة لم تتوقف عند مصادرة الأراضي المخصصة للتشجير، بل امتدّت إلى طمس المعالم البركانية نفسها، التي تشكّل العمود الفقري لهوية دمت الطبيعية والسياحية.
من الهدر إلى الفقدان..
لطالما حذّر أهالي المدينة من استنزاف المياه الكبريتية وتركها تذهب هدراً دون استثمارها أو الاستفادة منها بشيء.
أما اليوم، فالأمر أخطر بكثير، زوال الأصل نفسه، وتدمير فوهات بركانية تُعدّ كنزاً بيئياً لا يُقدّر بثمن.
وبدلاً من حماية وصون هذه الثروة القومية النادرة، باتت اليوم عرضة للتجريف العبث من جهات يفترض بها أن تكون حماية المصلحة العامة كما تدعي.

إن الحرضات ليست مجرد تضاريس، بل سر نهضة دمت وتميّزها، وإذا ما تم تدميرها، ستخسر المدينة جوهرها الذي لا يمكن تعويضه.
تراث وطني على حافة الخطر ..
فوهات الحرضات البركانية ليست تكوينات عادية، بل تُعدّ معالم بيئية وجيولوجية نادرة على مستوى الشرق الأوسط، وتصنَّف كتراث وطني ومواقع محمية، وأي مساس بها يعتبر جريمة بحق المصلحة العامة، وتهديد مباشر لهوية دمت كوجهة تنموية وسياحية واعدة.
نداء مفتوح..
وأمام كل ما يجري هل تسمح دمت لهؤلاء المتسلّطين أن يعبثوا بسر تميّزها ونهضتها؟
على الكل في الداخل والخارج، وفي المقدمة أبناء المنطقة أن يرفعوا صوتهم عالياً في وجه كل من يعبث بمستقبل مدينتهم، وألا يسمحوا بمرور مثل هذه الممارسات الكارثية بصمت.
على الجميع أن يتذكر أن لهذه الأرض تاريخاً عريقاً وعنفوان بركان ثائر، وإذا ما تجدد، فلا يمكن إخماده.
فهل نتركه يُطفأ عمداً؟ أم نُشعل وعينا لحماية ما تبقّى من روح المدينة؟.

مقالات الكاتب