كيف يمكن أن تنتهي الحرب الإيرانية الإسرائيلية؟

في لحظة ما، قد تنزلق المنطقة نحو مواجهة مفتوحة، لا تُشبه أي حرب سابقة، ولا يمكن ضبطها بسهولة داخل الحدود الجغرافية التقليدية. إسرائيل تقف اليوم في مواجهة إيران، لكن في الخلفية تلوح ظلال واشنطن، وتحركات طهران، وصمت موسكو، وحسابات الرياض وأنقرة وتل أبيب.

 

حين تفشل الضربات الإسرائيلية في كبح قدرات إيران النووية والعسكرية، وقد يحدث ذلك، تبدأ الضغوط على الولايات المتحدة للتدخل. في لحظة ما، قد تجد واشنطن نفسها مجبرة على الانخراط المباشر، لا لأنها راغبة في الحرب، بل لأن طبيعة توازن القوى الإقليمي سيجبرها على ذلك، سواء بضربة استباقية أو ردًا على تصعيد إيراني يطال قواعدها في العراق أو الخليج.

 

إيران لا تُقاتل بمفردها

 

لكن إيران، الدولة التي بنت مشروعها الإقليمي على مدى أكثر من عقدين، لن تواجه وحدها. ساحة الحرب لن تكون طهران فقط، بل ستكون حربًا موزعة على عدة جبهات على الأقل: لبنان، العراق، اليمن، وغزة.

 

فمن حزب الله في الجنوب اللبناني، إلى الحوثيين في صعدة، إلى فصائل الحشد الشعبي في العراق، ستمتد يد طهران في كل اتجاه. لكن المسألة لا تتعلق فقط بالرد العسكري، بل باستراتيجية أعمق: إنها حرب اللامركزية والاستنزاف والتشابك، حيث كل ضربة على طرف الخريطة تفتح جبهة أخرى في طرف مغاير.

 

أطراف جديدة على رقعة الصراع

 

وهنا يبرز سؤال: هل ستقف القوى الإقليمية والدولية متفرجة؟ بالتأكيد لا.

 

روسيا، المعنية باستقرار سوريا، لن تقبل بانهيار التوازن لصالح إسرائيل أو أميركا، وقد تلعب دورًا في لجم الانفجار أو تمرير رسائل غير مباشرة.

 

تركيا، التي تناور بين طهران وتل أبيب، ستكون حذرة من أي تصعيد يفتح أبواب الفوضى قرب حدودها.

 

السعودية والإمارات، المتضررتان من الحوثي، قد تجدان فرصة مواتية لدفع إسرائيل نحو استئصال هذا التهديد، شريطة ألا تنقلب الحرب فوضى تصيب عمق الخليج.

 

إن غياب التحليل لهذه الأطراف في أي تصور للصراع سيكون قصورًا في الفهم لا يجوز.

 

الاقتصاد.. الكمين الأكبر

 

التحليل العسكري وحده لا يكفي لفهم سلوك إيران أو صبر أميركا. الاقتصاد الإيراني المنهك بفعل العقوبات، والضغوطات الاجتماعية الداخلية، يشكّل قيدًا حقيقيًا على قدرة طهران على شن حرب طويلة. لكن في الوقت ذاته، الاقتصاد الغربي، المرهق من تبعات حرب أوكرانيا، لا يرحب بحرب جديدة ترفع أسعار النفط وتوتر أسواق الطاقة العالمية.

 

لهذا، سيكون الاقتصاد عاملًا كابحًا ومحركًا في آنٍ واحد: كابحًا لطرف يريد تأجيل المواجهة، ومحركًا لطرف يريد تصدير أزمته الداخلية عبر حرب.

 

هل تنجح أميركا في تحقيق أهدافها؟

 

الرؤية التي تقول إن واشنطن لن تحقق أهدافها حتى بنسبة 50%، رغم جاذبيتها، يجب التعامل معها بواقعية. أميركا، رغم ترددها، تملك قدرة فائقة على التخريب، تفوق قدرتها على البناء. إنها إن لم تحسم، فبإمكانها تفكيك المنظومة الإيرانية ببطء، عبر ضربات مركزة، حرب إلكترونية، عقوبات اقتصادية، وتسليح داخلي غير مباشر.

 

لكن الأكيد أن أي نصر سيكون باهظ الثمن، سياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا، وسيتطلب سنوات من إعادة التموضع الاستراتيجي في المنطقة.

 

ماذا عن الحوثيين؟

 

حين تمتد الحرب وتبدأ إيران في توظيف كل أدواتها، سيبرز الحوثيون كتهديد إستراتيجي لإسرائيل والملاحة الدولية. حينها، لن يكون ممكنًا التغاضي عنهم. إسرائيل قد تتجه نحو ضربة استباقية في العمق اليمني، بتنسيق مع واشنطن وربما دعم خليجي صامت، مع تهيئة الرأي العام العالمي عبر تصدير الحوثي كـ"الخطر القادم" في البحر الأحمر.

 

لكن ضرب الحوثيين سيفتح أبواب حرب استنزاف جديدة، في منطقة بالغة الصعوبة جغرافيًا وعسكريًا، ما قد يجعل الضربات محدودة ومركزة أكثر من كونها حربًا شاملة.

---

السيناريوهات المحتملة لنهاية الصراع

 

 السيناريو الكارثي – حرب شاملة (30%)

 

تنفلت الأمور عن السيطرة. تشتعل خمس جبهات. تضرب القواعد الأميركية، وتُشل الملاحة في الخليج، ويُفتح باب الفوضى على مصراعيه. حرب تدوم لسنوات دون حسم.

السيناريو المتوازن – احتواء مضطرب (50%)

تصعيد حاد لكن مضبوط. ضربات متبادلة، استنزاف متبادل، لكن دون اجتياح شامل أو فوضى مفتوحة. الأطراف ترهق دون أن تنكسر.

 

 السيناريو الهادئ – تسوية دولية (20%)

بعد جولات من التصعيد، تتدخل أطراف دولية (أوروبا، الصين، روسيا) لفرض صيغة تفاهم، تؤدي إلى وقف النار مقابل تنازلات سياسية، خاصة في الملف النووي.

---

التقدير الاحتمالي للمرحلة المقبلة:

 

المرحلة النسبة المقدرة

 

تدخل أميركي مباشر ضد إيران 40–50٪

رد إيران بأذرعها الإقليمية 80–90٪

فشل أميركا في تحقيق حسم سريع 70٪

ضربات أميركية ضد وكلاء إيران في العراق 60٪

تدخل إسرائيلي ضد الحوثيين 50٪

نهاية كارثية شاملة 30٪

احتواء عبر التوازن والردع 50٪

نهاية عبر تسوية تفاوضية 20٪

---

الخلاصة: صراع بين الذكاء السياسي والضغوط الزمنية

 

ما يجري ليس صراع جيوش فحسب، بل صراع عقول وإرادات، صراع بين قدرة إيران على إدارة شبكة وكلائها، وبين قدرة أميركا وإسرائيل على تفكيكها دون الانجرار إلى مستنقع إقليمي. إنها معركة على التوقيت، على الأعصاب، وعلى من ينهار أولًا: الاقتصاد أم الجبهة الداخلية أم التحالفات.

 

المنطقة على شفا بركان، وما لم تُكسر حلقة التصعيد بعقلانية سياسية، فإن زلزالًا سياسيًا سيضرب الشرق الأوسط، يعيد تشكيل خرائط النفوذ لعقود قادمة.

مقالات الكاتب