الوحدة ليست ورقة للمساومة .. والذاكرة اليمنية ليست ذبابية
في الذكرى الخامسة والثلاثين لإعلان الجمهورية اليمنية الموحدة، يعيد البعض تدوير أخطاء الأمس في عباءة جديدة، ظانين أن الذاكرة الجمعية لهذا الشعب قد تآكلت، وأن بإمكانهم تسويق الانتكاسات كمنجزات، والانتهازية كحكمة سياسية.
قبل سنوات، وقعت الخطيئة الكبرى حين انقلب فريق كان حتى الأمس جزءًا من السلطة، وتحالف مع جماعة مسلحة خارجة عن الدولة، نكاية بثورة شعبية وبمكونات وطنية صعدت عبر مطالب التغيير. النتيجة كانت كارثية: سقطت العاصمة، اندلعت الحرب، وتفككت مؤسسات الدولة، ثم دفع هذا الفريق نفسه ثمن مغامرته الدامية.
لكن بدلًا من مراجعة حقيقية وموقف وطني يصحح المسار، ها هم اليوم يكرروا المشهد ذاته ولكن من زاوية أخرى: تحالف مع فصيل جنوبي يرفع صراحة راية الانفصال، لا على أرضية مشروع وطني، بل بدوافع الخصومة القديمة مع شركاء الوحدة والدولة، واستكمالًا لمعركة لم تُحسم سياسيًا، فتم تحويلها إلى اصطفاف تحالفي عبثي.
إن ما نراه اليوم من تنسيق سياسي وعسكري بين من كانوا يومًا ما جزءًا من منظومة الحكم السابقة، وبين فصيل انفصالي مدعوم إقليميًا، ليس سوى إعادة إنتاج لنفس الذهنية: تحالفات مؤقتة قائمة على "النكاية"، لا على مبادئ أو ثوابت. والأنكى أن يتم هذا في ذكرى الوحدة اليمنية، وكأن الهدف هذه المرة هو إهانة الذاكرة بدلًا من استغفالها.
هؤلاء الذين يبدّلون تحالفاتهم كما تُبدَّل الأقنعة، يسعون لتطبيع ما لا يمكن تطبيعه: أن تصبح الوحدة خيارًا شخصيًا، تُدعم أو تُفرَّط فيها حسب الهوى والمصلحة اللحظية. لكن ما لا يدركونه هو أن مشروع الوحدة، بكل ما فيه من شوائب وتجارب، يظل حجر الزاوية في أي رؤية لبناء دولة يمنية مستقرة وعادلة.
ومن يظن أن بوسعه اللعب على حبال الانقسام، تحت مظلة مواجهة ميليشيا الحوثي، فهو يكرر نفس الخطأ القديم: تسليم رقعة من الوطن مقابل إحكام القبضة على رقعة أخرى. لقد جُرِّب هذا من قبل… وكانت النتيجة أن خسرنا الكل.
الوحدة ليست مشروعا إيديولوجيا عابرًا، بل هي ركيزة وطنية متجذرة، يدافع عنها اليمنيون شمالًا وجنوبًا، لا باعتبارها "شكلاً إداريًا"، بل كحقٍّ سيادي يُفترض أن يكون غير قابل للمساومة.
ختامًا، على الذين يتوهمون أن التاريخ يعاد تأليفه كل بضع سنوات وفق مصلحة المنتصر المؤقت، وأن الشعب قد ينسى من أسقط الدولة بالأمس ويتفهم من يفرّط بالوحدة اليوم، أن يعيدوا حساباتهم. فاليمن — بكل آلامه — لم يعد يحتمل مزيدًا من المغامرات، ولا المساومات على حساب وحدة شعبه وتماسك أرضه.

