تواطؤ أممي مع الانتهاكات الحوثية والاشتراك في صفقات فساد
تحولت المنظمات الأممية العاملة في اليمن إلى مرآة لمليشيا الحوثي الانقلابية في الفساد المالي ونهب المساعدات وتجويع اليمنيين، بدلا من إنقاذ المتضررين من مجاعة محتملة.
طوال السنوات الأربع الماضية، ظلت المنظمات الأممية تردد بأن اليمن يعيش أسوأ وضع إنساني في العالم، ومن أجل ذلك حصلت الأمم المتحدة في مؤتمر المانحين للعام الجاري على تمويلات بـ2.5 مليار دولار، وهو رقم قياسي مقارنة بالأعوام السابقة.
وخلال عام 2019، لم تنفذ المنظمات الأممية حتى ربع ما تعهدت به في مؤتمر جنيف، فيما ذهبت 70% من حجم تمويلات المانحين على شكل نفقات تشغيلية، وفقا لمصادر أممية لـ"العين الإخبارية".
وقالت المصادر: "إن مشاريع صحية في الساحل الغربي لمحافظات تعز والحديدة لم تنفذ منذ مطلع العام الجاري، رغم رصد الأمم المتحدة أكثر من 3 ملايين دولار لها".
وأفادت المصادر بأن الأمم المتحدة تورطت بتسليم المشاريع لشركاء محليين فرضتهم مليشيا الحوثي الانقلابية التي تنال حصصا مالية جراء ذلك الابتزاز على المنظمات الدولية.
وأشار تقرير سري صادر عن لجنة من خبراء الأمم المتحدة حول اليمن إلى أن مليشيا الحوثي تضغط باستمرار على وكالات المعونة، مما يجبرهم على توظيف الموالين لها بعد تهديدهم بإلغاء التأشيرات لدخول اليمن.
تسخر المنظمات الأممية إمكانياتها كافة لمليشيا الحوثي الانقلابية منذ بدء الحرب، ولكن بشكل سري، لكن الأشهر الماضية بدأ التواطؤ أكثر وضوحا، وهو ما تطور لاحقا إلى تراشق بالبيانات وتبادل للاتهامات بين الجانبين.
ففي محافظة الحديدة، كشفت القوات اليمنية المشتركة، الأسابيع الماضية، أن مقر البعثة الأممية تحول إلى ثكنة حوثية يعتلي على سطحها قناصة الانقلاب؛ من أجل ضمان عدم استهدافهم من القوات الحكومية.
كما كشفت القوات الحكومية مقتل خبراء إيرانيين كانوا ضمن مجموعة من قيادات المليشيا الحوثية داخل المقر الأممي، في تواطؤ يضع أكثر من علامة استفهام حول دور المنظمات الأممية داخل اليمن.
وقالت مصادر: "إن عددا من قيادات الحوثي في الحديدة وعلى رأسهم المدعو أبو علي الكحلاني يتنقلون على متن مركبات أممية مصفحة، من أجل ضمان عدم استهدافهم من قبل مقاتلات التحالف العربي، كون السيارات الأممية محمية بحكم القانون الإنساني".
وبدأت المليشيا بتطبيق هذه الاستراتيجية عقب مقتل الرجل الثاني بالمليشيا صالح الصماد، أواخر أبريل/نيسان 2018 بغارة جوية لمقاتلات التحالف العربي.
وكشفت وثائق نشرتها وكالة "اسوشيتد برس" الأمريكية، الإثنين، تحقيقا داخليا أجرته منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" بحق أحد موظفيها، سمح لقائد في المليشيا الحوثية بالتنقل في مركبات تابعة للمنظمة الأممية بهدف حمايته من غارات جوية محتملة للتحالف.
الوثائق أشارت إلى أن التحقيق يتم مع "خورام جافيد"، هو باكستاني الجنسية، منح قادة حوثيين مركبات اليونيسف، وكان على صلة وثيقة مع الأجهزة الأمنية الحوثية.
وحسب المصدر، فقد كان "جافيد" يتفاخر بأنه استخدم علاقته مع الانقلابيين لمنع مدققي حسابات اليونيسف من دخول صنعاء، وأن الحوثيين وضعوا لوحة كبيرة عليها صورته في أحد شوارع العاصمة وشكروه لخدماته.
خلال العامين الماضيين، تماهت المنظمات الأممية مع ضغوطات مليشيا الحوثي المتواصلة، وقامت بتوظيف المئات من أنصار الانقلابيين في عدد من الوكالات الدولية بصنعاء، وهو ما شكل بداية لعقد صفقات فساد كانت على حساب أقوات اليمنيين الذي بات 80% منهم على خط الفقر.
وحسب تقارير دولية، فقد بدأت الأمم المتحدة تحقيقات مع أكثر 10 من عمال الإغاثة الذين تم نشرهم للتعامل مع الأزمة الإنسانية بالانضمام إلى الحوثيين من جميع الجهات لإثراء أنفسهم بمليارات الدولارات من المساعدات المتبرع بها التي تتدفق إلى البلاد.
وكشفت "أسوشيتد برس" تحقيقات داخلية لمنظمة الصحة العالمية في مزاعم تفيد بأن أشخاصا غير مؤهلين قد تم توظيفهم في وظائف ذات رواتب عالية، وتم إيداع ملايين الدولارات في حسابات مصرفية شخصية للعاملين، وتمت الموافقة على عشرات العقود المشبوهة دون الأوراق المطلوبة وأطنان من الأدوية والوقود المتبرع بهما ذهبت في عداد المفقودين.
وبدأ التحقيق الذي أجرته الصحة العالمية في مكتبها في اليمن، مع مزاعم بسوء الإدارة المالية ضد نيفيو زاجاريا، وهو طبيب إيطالي، كان رئيس مكتب صنعاء في الوكالة من 2016 حتى سبتمبر 2018.
وحسب المصدر، فقد أشارت التقارير الصادرة عن التحقيقات إلى أن الضوابط المالية والإدارية في مكتب الصحة العالمية باليمن كانت "غير مرضية"، كما لوحظ وجود مخالفات في التوظيف وعقود عدم منافسة ونقص في الرقابة على المشتريات.
الحكومة اليمنية التي طالبت مرارا من المنظمات الأممية بنقل مقراتها الرئيسية من صنعاء إلى عدن لضمان عدم الابتزاز الحوثي، اعتبرت وثائق التحقيق الداخلية بفساد وكالات الإغاثة وتواطؤها مع الحوثيين بأنه فضيحة تمس سمعة ورصيد الأمم المتحدة.
وطالبت الحكومة، على لسان وزير الإعلام معمر الإرياني، برفع السرية عن التحقيقات الداخلية ومراجعة أداء الأمم المتحدة ووكالاتها في اليمن خلال السنوات الماضية، وإعلان النتائج بشفافية للشعب اليمني.
وقال الوزير اليمني في سلسلة تغريدات على تويتر: "غض الطرف عن نهب الحوثيين لبرامج المساعدات الإنسانية يسيء لسمعة المنظمة الدولية ومصداقيتها ويضر بالجهود الدولية التي يبذلها الأشقاء والأصدقاء لإغاثة المتضررين وتخفيف معاناتهم".