مقتل الشاب "رأفت".. هل يضع نهاية للفوضى الأمنية في العاصمة عدن؟
يومان فقط، كانا كافيين لإشعال ثورة احتجاجية في العاصمة اليمنية المؤقتة عدن، ضد بطش الأجهزة الأمنية بالآمنين من مواطني عدن، والمطالبة بإحالة المتسببين في قضية مقتل الشاب "رأفت دمبع"، الذي قتل على أيدي قوات الأمن في مدينة المعلا، يوم السبت الماضي، إلى القضاء لاتخاذ الإجراءات الرادعة بحقهم، علّ هذه الإجراءات توقف حالة الفوضى الأمنية والعسكرية المتعددة، التي تشهدها عدن منذ تحريرها من قوات المليشيات الحوثية والحرس الجمهوري، الانقلابية، منتصف 2015.
وتعود تفاصيل الحادثة، إلى أن الشاب المجني
عليه "رأفت"، واحدًا من بين أهم الشهود في قضية اغتصاب طفل بالمعلا، التي
هزّت الرأي العام المحلي، في مايو من العام الماضي، والتي تورط فيها 4 أشخاص، بينهم
رجال أمن تابعين لقسم شرطة مديرية المعلا.
وقد فصلت الأجهزة القضائية، وتحديدًا المحكمة
الابتدائية في عدن، في الشهر التالي للواقعة بحبس اثنين من المتهمين بالسجن لمدة
10 أعوام وغرامة قدرها 10 ملايين ريال مناصفة بينهما، فيما قضت المحكمة ببراءة المتهم
الثالث ”لعدم كفاية الأدلة“، أما المتهم الرابع، فقد أعلن سابقًا عن وفاته داخل شرطة
المعلا برصاصة، في حادثة غامضة.
ويوم السبت المنصرم، أقدمت قوة أمنية تابعة
لقوات مكافحة الإرهاب، التابعة أيضًا لإدارة أمن عدن، بالبحث عن الشاهد "رأفت"
في منزله بالمعلا، بدعوى أمر قهري ضده، صادر في الـ23 من شهر يوليو من العام الماضي،
بتهمة "شروعة في القتل وهروبة".
وبحسب مصادر مقربة من أسرة الشاب رأفت،
فإن الأجهزة الأمنية أطلقت نيرانها على الشاب وأصابته ثلاث مرات، إحداها في رأسه، ما
أدى إلى مقتله صبيحة اليوم التالي الأحد، رغم بقاءه ساعات في أحد مشافي المدينة.
ووفقًا للأحكام العامة في القبض، من القانون
اليمني، تنص المادة رقم (74) على ان الأمر بالقبض "يسقط إذا لم يتم تنفيذه في خلال
الثلاثة الأشهر التالية لصدوره ما لم يجدد".
وإزاء هذه التجاوزات المتكررة التي تمارسها
الأجهزة الأمنية وحالة الفوضى التي تشهدها المدينة، تحوّلت قضية مقتل الشاب "رأفت"،
إلى قضية رأي عام، تمسّ المجتمع العدني برمته، لتندلع احتجاجات في مدينته المعلا، يوم
الأحد، لتتسع رقعتها بشكل كبير إلى أربع مديريات أخرى هي: صيرة، المنصورة، الشيخ عثمان
وخور مكسر، دون أن تصدر الأجهزة الأمنية في عدن أي تعليق حول الحادثة.
تقول رئيس منظمة "سواسية" لحقوق
الإنسان، في عدن، هبة العيدروس، إن "هذه الواقعة الإجرامية بمثابة تهديد من أجهزة
تمثل الدولة لأي مواطن قد يكون شاهدا على حق او ثبوت جريمة ونسبتها لفاعلها"
.
وحمّلت العيدروس، في منشور على صفحتها الشخصية
بموقع التواصل الاجتماعي فيس بوك، أجهزة الأمن المسؤولية، "ونطالب بالتحقيق مع
رجال الأمن الذين أوكلت لهم المهمة وكل مسؤول يعلوهم وأي قريب للمتهم يعمل في الأمن
لاحتمالية ضلوعه في القضية" .
وقال رئيس تحرير صحيفة "عدن الغد"
فتحي بن لزرق، إن في مدينة عدن وحدها "استبدل الناس غاصبون بأعتى وظالمون بأظلم
وألم بأشد وتحولت الأحلام إلى كوابيس وسالت الدماء على الطرقات بلا حسيب ولا رقيب
.. في زمن "ميليشيات عدن" وجنونها يكفي ان تقضي من حياتك عام خلف القضبان
لان قياديا في الامن لم يعجبه اسمك أو اصلك".
ويشير في منشوره على فيس بوك، إلى أن المليشيات
"ارتدت رداء الدولة، ولم تكن كذلك، ,مات الناس على طول خطوط كثيرة وكثيرة جدا ،
ازدحمت الأحياء بالسجون ، فتحوا واحد وأخر وثالث ورابع واخذوا هذا وذاك وعذبوا هذا
وسجنوا هذا وانتهكوا حق هذا وذاك..صرخ الناس فيهم :" ليس لأجل هذا خرجنا وليس
لأجل هذا قاتلنا وليس لأجل هذا رفضنا ..!وكنا في كل مرة وفي كل لحظة نصرخ :" تسيرون
في الطريق الخطأ ياسادة .. لكن لامجيب ".
ومع بقاء الوضع الأمني والعسكري بهذه الحالة
الرخوة، وبأشكاله المتعددة التي تأتي بتعدد القوات المختلفة فيها دون توحيدها وضمها
ضمن قوات الداخلية والدفاع، تحت قيادة موحدة، تكون فيها سلطة القانون والدولة حكرًا
على الأجهزة الحكومية، فإن الحالة الأمنية لا يُمكن لها أن تُستتب، وتبقى بعيدة كل
البعد عن الاستقرار، في ظل تنازع الصلاحيات وتعددها بين هذه القوات العسكرية والأمنية
المختلفة.
وتعيش عدن حالة تيه لا يبدو المخرج منها
قريبًا في حين تعزز التشكيلات العسكرية والأولوية والوحدات العسكرية قدراتها، وتعمل
بشكل شبه مستقل، معتمدة على مصادر تمويل وتسليح غير خاضعة لقيادة مركزية واحدة.
وتبدو قضية الشاب "رأفت"، دافعًا
قويًا لأبناء عدن، لوضع حدٍ لهذه الفوضى، أسوة بقضية الشاب "أحمد درويش"
الذي اعتقلته الأجهزة الأمنية في عدن على خلفية احتجاجات الحراك الجنوبي بمدينة خور
مكسر، في العام 2010، ليتوفى لاحقا إثر تعذيبه، إذ أثارت قضيته الرأي العام في عدن،
وعلى إثرها تمت الإطاحة بالعميد عبدالله قيران، من منصبه كمدير لأمن عدن.
ويأمل العدنيون، أن تنهي هذه القضية حالة
العبث والفوضى والظلم والغبن الذي تمارسه الأجهزة الأمنية في العاصمة اليمنية المؤقتة
عدن، من خلال قيام الحكومة الشرعية بإصلاحات حقيقية في القطاع الأمني وتغييرات جذرية
تزيح غمّة الانفلات المتراكمة منذ تحرير المدينة قبل قرابة 4 أعوام.