الهدنة اليمنية تترنّح ومفاوضات تعز بلا نتيجة
عادت المفاوضات بين الأطراف اليمنية حول فتح الطرق نحو مدينة تعز، جنوب غرب اليمن، إلى نقطة الصفر، وفق ما أعلن وفد الحكومة اليمنية، بعد أكثر من شهر على بدء أول محادثات في العاصمة الأردنية عمّان، وهو ما يهدد الهدنة الأممية المستمرة للشهر الثالث على التوالي، ويجعل الباب مفتوحاً نحو خيارات تصعيدية بين طرفي النزاع في اليمن.
وأعلن رئيس فريق الحكومة في مفاوضات فتح الطرق، عبد الكريم شيبان، الأحد الماضي، أن "المفاوضات مع الحوثيين بخصوص فتح طرق تعز، عادت إلى نقطة الصفر، ولم تحقق تقدماً، بسبب تعنّت الجماعة، التي ترفض تنفيذ بنود اتفاق الهدنة الأممية ومقترح المبعوث الأممي هانس غروندبرغ بشأن فتح الطرق في تعز".
وفي 25 مايو/أيار الماضي، بدأت المحادثات في عمّان بين وفدي الحكومة والحوثيين، برعاية أممية، واستمرت أسبوعين، وانتهت بإعلان غروندبرغ مقترحاً منقحاً وافق عليه وفد الحكومة. إلا أن وفد الحوثيين طلب النقاش بشأن المقترح مع قياداته في صنعاء، التي عاد إليها برفقة غروندبرغ لإقناعها بمقترحه، لكنه غادر صامتاً بعد 24 ساعة من الزيارة.
فتْح الطرق في تعز من ضمن البنود الإنسانية في الهدنة الأممية المستمرة في اليمن
وفتح الطرق في تعز من ضمن البنود الإنسانية في الهدنة الأممية المستمرة في اليمن، والتي أعلن عنها في 2 إبريل/ نيسان الماضي، لمدة شهرين، وتم تمديدها لشهرين إضافيين فور انتهائها. وتشمل الهدنة وقف إطلاق النار، بالإضافة إلى السماح بدخول المشتقات النفطية إلى ميناء الحديدة، وتدشين رحلتين تجاريتين أسبوعياً من مطار صنعاء، بالإضافة إلى فتح الطرق بمدينة تعز ومحافظات أخرى. وكل تلك البنود تم تنفيذها ما عدا الأخير.
وحذر رئيس الوفد الحكومي، في مؤتمر صحافي عقدة في تعز، من أن "الهدنة ستنهار إذا لم يضغط المجتمع الدولي على الحوثيين لفتح طرقات تعز". واتهم الحوثيين بالحشد العسكري نحو مدينة تعز، متوقعاً أنهم يجهزون لمعركة كبيرة. ويأتي هذا التحذير بالتزامن مع اندلاع اشتباكات متقطعة في جبهات القتال بمدينة تعز، وسط اتهامات متبادلة بخروقات الهدنة.
من جهته، أعلن مكتب غروندبرغ أمس الثلاثاء، أن المبعوث الأممي التقى كبير المفاوضين الحوثيين محمد عبد السلام وعدداً من المسؤولين العمانيين، وأعضاء السلك الدبلوماسي في مسقط، حيث ناقشوا سبل تنفيذ الهدنة لاسيما أولوية فتح طرق في تعز ومحافظات الأخرى. وأكد غروندبرغ أن فتح الطرق هو أمر بالغ الأهمية للتخفيف من المعاناة الإنسانية لليمنيين وبناء الثقة. وشدد على أهمية الفرصة التي تتيحها الهدنة لتوفير إغاثة ملموسة لليمنيين في جميع أنحاء البلاد، والتوصل الى تسوية سياسية.
رفض حوثي لفتح طرق تعز
وفي منتصف الأسبوع الماضي أبلغت جماعة الحوثي، مكتب المبعوث الأممي تمسكها بمقترحها بشأن فتح طرق تعز، في رفض واضح لمقترح غروندبرغ، الذي يدعو لفتح 5 طرق، بما فيها خط رئيسي يؤدي إلى تعز، بهدف رفع المعاناة عن المدنيين وتسهيل وصول السلع.
لكن الحوثيين يرفضون هذا المقترح، ونقطة الخلاف هي الطريق الرئيسي تحديداً. وأعلنت جماعة الحوثي أنها سلّمت الأمم المتحدة الملاحظات على المقترح الأممي لفتح الطرق في تعز وبعض المحافظات اليمنية. ونقلت وكالة "سبأ" الحوثية الرسمية بصنعاء عن مصدر مسؤول قوله إن "الرد تضمن الاستعداد لفتح الطرق وفقاً لمراحل، على أن تبدأ المرحلة الأولى بفتح طريقين فوراً، ومن ثم تُواصل اللجان النقاش برعاية أممية لاستكمال البقية وفقاً لما سيتم الاتفاق عليه".
لكن شيبان قال إن "الطريق التي عرض الحوثيون فتحها لا تصلح نهائياً للاستخدام، ولا تستطيع أن تمر منها سيارات الدفع الرباعي فكيف بشاحنات المواد الغذائية؟". وأضاف: "نريد فتح خطوط رسمية نعرفها جميعاً. أما الطريق الذي يريد الحوثيون (فتحه) فهو بدائي ريفي كان يستخدم قبل 500 سنة".
وما زال التوجس العسكري هو السائد لدى الحوثيين إذ يعتقدون أن الطرق الرئيسة، التي من المفترض أن تفتح لإنهاء معاناة السكان، يمكن استخدامها عسكرياً، على الرغم من أن النقاش هو على فتح الطرق لاعتبارات إنسانية، إذ يضطر السكان للتنقل في طرق ملتوية للوصول إلى المدينة لمدة أربع إلى خمس ساعات، بدلاً من 15 دقيقة على الأكثر، في الطريق الرئيس المقترح من قبل المبعوث الأممي ويرفضه الحوثيون.
وقال شيبان إن "الطريق الأخرى التي اقترح الحوثيون فتحها لا علاقة لها بتعز، فقط تمر من مفترق عدن - تعز وصولاً إلى صنعاء من أجل الجبايات والضرائب. طلبنا فتحها نحو مدينة تعز لكن الحوثيين يرفضون". وأشار إلى أن "جماعة الحوثي لا تفكر بمعاناة الناس والوضع الإنساني. هي ميلشيات لا تفكر إلا بالقتال فقط".
تهديد الهدنة في اليمن
ويتمسك الحوثيون بمقترحاتهم التي طرحوها في أول يوم من مفاوضات عمّان، ولم يتغير موقفهم خلال المفاوضات، أو حتى عقب لقاءات المبعوث الأممي مع قياداتهم في صنعاء، وهذا ما يجعل مصير الهدنة مرهوناً بتقدّم هذا الملف، إذ سيتسبب ربما بانهيار شامل للهدنة، إذا لم تحدث متغيرات سياسية تعدل من موقف الحوثيين الثابت.
وكان مصدر أممي قد قال في وقت سابق، لـ"العربي الجديد"، إن "مكتب المبعوث الخاص في اليمن سيسعى للحصول على بعض الإيضاحات من الحوثيين على ردهم على المقترح، قبل مناقشة الخطوات المقبلة مع الأطراف". ومن المتوقع أن يجري جولة جديدة من اللقاءات مع قيادات جماعة الحوثي خلال الأيام المقبلة، ضمن جولة جدية بدأت الأحد 26 يونيو/ حزيران الحالي، من العاصمة السعودية الرياض.
وذكرت وكالة "سبأ" الحكومية أن رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي، استمع من غروندبرغ، في الرياض بحضور عضو المجلس عبدالله العليمي، إلى إحاطة حول نتائج المشاورات الأممية الرامية إلى تنفيذ اتفاق الهدنة وتثبيتها، وفرص البناء عليها لإحلال السلام والاستقرار في اليمن.
وشدد رشاد العليمي على "أهمية ممارسة مزيد من الضغوط على المليشيات الحوثية المدعومة من النظام الإيراني، للوفاء بتعهداتها بموجب الاتفاق، وعدم الانتقال إلى أي ملفات أخرى قبل إلزامها بفتح طرق تعز الرئيسية التي من شأنها إحداث الفارق في تخفيف معاناة سكان المدينة المحاصرين منذ أكثر من سبع سنوات". ونقلت الوكالة عن غروندبرغ تأكيده أن "فتح معابر تعز لا يزال أولوية ملحة بالنسبة لجهوده التي تسعى لدفع المشاورات إلى الأمام والتقدم نحو ملفات أخرى".
وسيحاول غروندبرغ إعادة ملف التفاوض على طرق تعز من جديد من أجل الحفاظ على الهدنة الهشة، بحسب ما أعلن في إحاطته لمجلس الأمن، في 14 يونيو الحالي، للتقدم في الملفات الأخرى الاقتصادية والأمنية.
تعنّت الحوثيين برفض فتح طرق تعز سيشكل ضغطاً على الحكومة التي قد لا تلتزم ببنود الهدنة الأخرى على الأقل
وقال إنَّ "التأخير في تنفيذ بنود الهدنة قد يهدد بهدمها بالكامل". والأحد الماضي، أكد السفير الأميركي في اليمن ستيفن فاغن على أهمية فتح طرق مدينة تعز تنفيذاً لبنود الهدنة الأممية. وقال: "يجب أن تستمر الهدنة في تحقيق الفوائد لجميع اليمنيين". جاء ذلك خلال لقائه في الرياض، رئيس المجلس الرئاسي اليمني رشاد العليمي، وفقاً لما ذكرته السفارة في تغريدة على "تويتر".
وعلى الرغم من حالة الركود في الهدنة إلا أنها لا تزال صامدة، والمعطيات الحالية بين طرفي الصراع في اليمن لا تسير نحو التصعيد حالياً، على الأقل نتيجة لترتيب صفوفهم على حد سواء، بالتزامن مع الحراك الدبلوماسي الجاري في المنطقة، حيث يزور الرئيس الأميركي جو بايدن السعودية منتصف الشهر المقبل، وسيكون ملف اليمن على أجندته، وفق ما أعلنت المندوبة الأميركية ليندا توماس غرينفيلد في مجلس الأمن أخيراً.
خيارات الحكومة اليمنية
في مفاوضات فتح الطرق لم يكن مع وفد الحكومة اليمنية أي ملفات للضغط على الحوثيين، وهذا ما جعل موقف الحكومة أضعف، ووافقت على المقترح الأممي الذي لا يلبي كل مطالب السكان في تعز، بل الحد الأدنى فقط، وفق بيان سابق للوفد الحكومي.
لكن ومع ذلك رفض الحوثيون المقترح، وهو ما يجعل الخيارات محدودة، إما بالضغط الدولي على الحوثيين للموافقة، أو تجميد العمل بالهدنة وإلغاء الالتزام بها، وهذا سيعيد أيضاً جهود مبعوث الأمم المتحدة إلى الصفر.
وقال مصدر حكومي في السلطة المحلية بمحافظة تعز، لـ"العربي الجديد"، إن "ملف الطرق الآن بيد المجلس الرئاسي اليمني، وهو من يتخذ القرار بشأن التعامل مع الهدنة ككل، ومن ضمنها ملف الطرق بتعز. والسلطة هنا تنتظر استجابة لمتطلبات السكان واتخاذ أي إجراءات لفتح الحصار عن المدينة".
ويرى مراقبون أن تعنّت الحوثيين في رفض فتح الطرق بتعز، سيشكل ضغطاً على الحكومة اليمنية، التي قد لا تلتزم ببنود الهدنة الأخرى على الأقل، ومنها فتح ميناء الحديدة وتدشين الرحلات من مطار صنعاء، وربما تصل إلى عودة التصعيد العسكري بشكل أوسع كخيار وارد، في ظل احتجاجات تدعو لإنهاء الحصار المستمر على المدينة للعام السابع على التوالي.
تعز جزء من معركة استعادة الدولة
وقال الناشط السياسي في مدينة تعز زكريا الشرعبي إن "مدينة تعز جزء من معركة استعادة الدولة، وهي تتحرك في هذا الإطار الواسع، وملف الحصار على المدينة ملف وطني يتجاوز حدود تعز، وطريقة إنهائه تحددها الحكومة والرئاسة، سواء عبر المفاوضات، أو الخيار العسكري من خلال دعم الجيش الوطني بالإمكانات اللازمة، لكسر هذا الحصار".
زكريا الشرعبي: الموافقة على تمديد الهدنة كانت خطأ قبل الحصول على ضمانات كافية لفتح طرق تعز وبقية المحافظات
وأضاف الشرعبي، في حديث لـ "العربي الجديد"، أن "الهدنة ولدت هشة، وتخللتها خروقات شبه يومية في جبهات القتال، فضلاً عن تنصل مليشيا الحوثي من الالتزام ببنودها، وأبرزها فتح طرق محافظة تعز".
ولفت إلى "أن الموافقة على تمديد الهدنة كانت خطأ، قبل الحصول على ضمانات كافية لفتح طرق تعز وبقية المحافظات، وها هو الشهر الثالث ينتهي دون إحراز تقدم في هذا الملف".
وقال الشرعبي: "نتطلع إلى موقف حكومي قوي يرفض أي محاولات لتجديد هذه الهدنة، ما لم يحصل على هذه الضمانات، وأعتقد أنه باستطاعة الحكومة ممارسة هذه الضغوط على الأمم المتحدة ومبعوثها لليمن".