الحرب تغرق اليمن في الديون.. تزايد خطر العجز عن السداد
يغرق اليمن في كومة ديون ثقيلة بسبب الصراع
الدائر في البلاد منذ نحو 5 سنوات، إذ تكشف بيانات أوردها تقرير حكومي حديث، عن ارتفاع
الدين الخارجي لليمن من 6 مليارات و765 مليون دولار عام 2014، إلى 9 مليارات دولار
العام الحالي 2019، بينما ارتفع صافي الدين الداخلي من 3 تريليونات إلى نحو 6 تريليونات
ريال، بما يمثل 94% من الناتج المحلي الإجمالي.
وتسببت الحرب الدائرة في تراجع حاد للإيرادات
المالية في البلاد، وإحجام الدول المانحة عن تقديم أي تمويلات للمشاريع التنموية، وتآكل
احتياطي اليمن من النقد الأجنبي، كما لجأت الأطراف المتصارعة إلى تغطية عجز الموازنة
من خلال السحب المباشر من البنك المركزي برأسيه في صنعاء وعدن، ما فاقم أزمة الديون.
وحسب بيانات التقرير الصادر عن قطاع الدراسات
الاقتصادية في وزارة التخطيط اليمنية بالتعاون مع البنك الدولي ومنظمة يونيسف، حصلت
"العربي الجديد" على نسخة منه، فقد ارتفع صافي الدين العام المستحق (الداخلي
والخارجي) على اليمن في النصف الثاني من العام الجاري 2019، بنسبة 41% إلى 10 تريليونات
و401 مليار ريال، مقارنةً مع 6 تريليونات و563 مليار ريال في نهاية العام 2014.
ويؤكد الباحث الاقتصادي في المعهد المالي
للدراسات التابع لوزارة المالية، مجدي عامر، لـ"العربي الجديد" أن أزمة المالية
العامة واحدة من أخطر التحديات التي تواجه الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في اليمن،
وضمن أخطر تداعياتها استمرار أزمة في مرتبات الجزء الأكبر من موظفي القطاع العام المدني
لأكثر من ثلاثة أعوام، بالإضافة إلى معاناة القطاع المصرفي من أزمة سيولة خانقة.
وأصبحت الحكومة في الوقت الراهن عاجزة عن
سداد خدمة الدين العام، ما يفاقم أزمة السيولة في القطاع المصرفي، إذ يرى عامر أن تراكم
أعباء الدين العام مخاطر ليست فقط حالية، ولكن أيضا مستقبلية كون مزاحمة نفقاتها بقية
النفقات العامة الاجتماعية والتنموية على الموارد المحدودة أصلاً.
ورغم استقرار القيمة المطلقة للدين العام
الخارجي دون 7 مليارات دولار خلال الأعوام من 2014 إلى 2017، إلا أنه ارتفع بمبلغ ملياري
دولار بسبب الوديعة السعودية عام 2018.
وبالتالي، زادت نسبة الدين العام الخارجي
إلى الناتج المحلي الإجمالي من 22% عام 2014 إلى 77% في يونيو/ حزيران الماضي
2019.
ونتيجة لذلك تدهورت الجدارة الائتمانية
لليمن، بسبب صعوبة الوفاء بخدمة الدين العام الخارجي، الذي تضخم أكثر بسبب الوديعة
السعودية المشروطة بالفوائد.
ومنحت السعودية دعمها للحكومة الشرعية بهدف
إنقاذ الريال اليمني حين تعرضه لانهيار تجاوز حاجز 800 ريال للدولار الواحد في
2018.
لكن لم يكن هذا الدعم على شكل منحة بل جاء
على هيئة وديعة، حسب تصريحات الخبير الاقتصادي عبد الواحد العوبلي، لـ العربي الجديد"
الذي قال إن "الدعم السعودي كان قرضا من النوع مرتفع الفائدة والذي ستكون أعباؤه
كارثية في المستقبل القريب، وخاصة أن الحكومة غير قادرة على السداد، وكأن المطلوب هو
تأجيل انهيار الريال وليس منعه".
ومن الملاحظ كذلك أن المساعدات المزعومة
التي قدمها التحالف حسب العوبلي، كانت كلها عبارة عن مساعدات مؤقتة لسد حاجة آنية لدى
اليمنيين، بينما عمل التحالف على عدم تخصيص أي ميزانيات لتمويل مشاريع تنموية مستدامة
ممكن أن تخدم اليمن على المدى الطويل وإنقاذ البلد الذي يغرق في الديون.
ويشير إلى أن التحالف العربي لم يعمل لمصلحة
الاقتصاد اليمني، بل على العكس عمل على تقويضه عبر السيطرة على موارده التي كان من
الممكن أن تتجاوز 50 مليار دولار خلال فترة الحرب الدائرة.
في نفس الإطار، يؤكد الباحث الاقتصادي مراد
منصور، أن الديون الضخمة التي يغرق فيها اليمن على كل المستويات تقوض عودة الدولة وعقبة
كبرى أمام أي حكومة توافقية قد تتشكل في الفترة القادمة بعد اتفاق الرياض، لأن العبث
والدمار يطاول كل القطاعات الاقتصادية ولا تستطيع أي سلطة رسمية أن تضع يدها على موارد
البلد السيادية.
وتقدر إحصائية حديثة الانكماش التراكمي
في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لليمن بحوالي 45%، بينما قدرت الخسائر التراكمية
في النشاط الاقتصادي بحوالي 66 مليار دولار.
وفي وسط أزمة المالية العامة وشح النقد
الأجنبي وتقييد التعاملات الخارجية وتنامي عجز الميزان التجاري وتشوه مناخ الاستثمار،
يتأرجح سعر صرف الدولار صعودا وهبوطا خلال الفترة الأخيرة ما بين 560 و600 ريال للدولار.
الخبير المصرفي وعضو جمعية الصرافين اليمنيين،
عمار عبد الكريم، يؤكد لـ "العربي الجديد"، ضرورة تحييد المؤسسات الاقتصادية
والمصرفية عن الصراع الدائر.
ويرى أهمية عدم اتخاذ معيشة الناس ورقة
يبتز بها كل طرف الطرف الآخر، وكذا التوقف عن إنشاء كيانات موازية للسلطات الرسمية،
سواء على مستوى القطاعات المصرفية أو المؤسسات الإدارية كخطوات عاجلة لإيقاف النزيف
المالي، وانهيار الاقتصاد اليمني من خلال استقلالية المؤسسات المالية وإعادة إحياء
الدورة النقدية.
العربي الجديد