حوار الطرشان
كان بإمكان الحوار الجنوبي الذي يروج له المجلس الانتقالي أن يكون ذات معنى لو أنه أتى قبل أن تندلع حرب أغسطس وإخراج جنوبيو الشرعية من عدن بقوة السلاح. كان يمكن لهذه الدعوة أن تكون ذات جدوى حقيقي لو أنها جاءت في توقيت سابق؛ ودون الحاجة لأن يشن وأتباعه حرباً ضروساً ضد طيف جنوبي واسع والتعامل معهم كغرماء لا شركاء، وتشنيعهم بأوصاف تساويهم بالأعداء والخونة والارهابيين.
المجلس الانتقالي كيان مسلح اقصائي يعتقد أنه الوكيل الحصري للقضية الجنوبية وممثلها الشرعي؛ ولا يؤمن أبداً بالشراكة. لقد كشر عن طباعه الأنانية والاستبدادية منذ بداية تأسيسه، بل منذ ما قبل إعلان تشكيله، وراحت قيادته تمارس الاستفراد وتنتهج الإقصاء بحق رفقاء القضية والاستقواء عليهم بقوة السلاح وتأمرات الخارج لقرابة عقد من الزمن.
لقيادات الانتقالي عقول استبدادية وطباع عنصرية متأصلة لا يمكن أن تقبل بأي رأي يخالف سردياتها النهائية أو ألا يؤمن أن عيدروس الزبيدي مفوض رسمي من قبل الشعب للتحدث باسمه. يملك أعضاء الانتقالي قناعات مطلقة بأنهم حاملو لواء الجنوب الحصريون وكل رغبة بالتقارب مع الكيانات والأحزاب الجنوبية المختلفة تتضمن مطلب صريح بالانسلاخ من نفسها والتماهي الكامل مع الرؤية التي يتبناها المجلس.
أي حوار يروج له الانتقالي للتقارب مع الآخر الجنوبي هو دعوة ضمنية للانضمام للمجلس؛ نظير منصب هامشي أو فتات من الدراهم.. هذا ليس حواراً نابعاً من إيمان حقيقي بأهمية الشراكة بين أبناء القضية الواحدة، الشراكة كمبدأ سياسي عالي وكقيمة إنسانية مقدسة. هذه ليست دعوة صادرة عن قناعة عميقة بضرورة التحاور للوصول إلى رؤية جامعة مع الفرقاء الجنوبيين، بقدر ما هي محاولة لانتزاع ورقة تمثيل الجنوب في التسوية السياسية القادمة للحصول على مكاسب خاصة وامتيازات ذاتوية؛ وتسويقها بالاعداد لهذه الطبخة الزائفة التي لا يمكن أن تنطلي على أحد.
في الوقت الضائع أطلق الانتقالي دعوته للتقارب مع إخوته الجنوبيين بعد أن أقصى معظمهم واحتل منازلهم وشردهم من عدن وأحكم قبضته على مساحة واسعة من الجنوب. في اللحظة الخطأ؛ أدرك الزبيدي الانزلالقات الخطيرة التي مارسها بحق أخوته حين سعى لاذلالهم ذات معارك بالوكالة وعلى مرأى ومسمع من العالم.. أما حقيقة هذا التواضع للرجل المهوس بزعامته فمردها ضغوطات خارجية اعتبرت أن مجلسه واحد من المكونات الجنوبية الكثيرة لا كما تنصبه هلوساته؛ وكيلاً شرعياً للجنوب.
الآن، دعاهم معززاً بمليشيا وسلاح وسلطة ودعم خارجي، بعد أن جردهم من كل شيء. أتاهم كمنتصر يفرض شروطه عليهم فارداً قواته التي غنمها من حروبه ضدهم في غزوات كثيرة.. جاءهم كبطل معززاً بمعارك ظفرها من دماءهم يطلب منهم الاستسلام ويدعوهم لمبايعته.
حين رأى الزبيدي أوهام ادعاءه بالتفويض تتهاوى شعر بحاجته للأخوة الجنوبية، الأخوة التي لم يحترمها قط أو يقيم لها إعتباراً طيلة ثمان سنوات عابقة بالكبر والعجرفة والتبطل والوهم.