هادي.... الرئيس الذي خذله الجميع
تعقيدات المشهد اليمني وتشابك مدخلاته ومخرجاته لا تصعب على المحللين من خارج اليمن فقط بل حتى على معظم ابناءه.
الصراع في اليمن معقد ومتداخل الفضاءات فهو في اساسه صراع على القوة والنفوذ من قبل المركز التقليدي ضد اي اعادة صياغة لها او توزيعها.
ينتشر اصحاب المركز المسيطر في المشهد اليمني راسيا وافقيا وفق اجندات بينهم مدروسة ومحسوبة مشكلة بذلك عدة خطوط دفاع عن مركزهم وسيطرتهم لضمان الاحتفاظ به لعقود قادمة وعدم الخروج السيطرة من ايديهم.
كل المنعطفات التاريخية التي مرت بها اليمن تشهد بان قوى شمال الشمال ظلت حريصة دايما على بقاء السيطرة فيهم سواء في هيئة امام او رئيس او جماعة او لوبيات تحرك صانع القرار لمصلحة شمال الشمال دائما.
بقراءة التاريخ نجد ان اي محاولة لتوزيع السلطة او تمدينها يهدف الى اضعاف سيطرة قوى شمال الشمال قد جرى التآمر عليها واجهاضها في مهدها واغتيال الرئيس الحمدي خير مثال.
بعد الربيع العربي وتدخل الاشقاء والقوى الدولية نجح الرئيس عبدربه منصور هادي ومن معه من المخلصين من ابناء اليمن في اعادة صياغة العقد الاجتماعي في اليمن والاتفاق على يمن جديد مختلف كلياً عن اليمن المعروف منذو عشرات السنين وهو في الواقع اول محاولة سلمية حضارية مدعومة من العالم اجمع لتفتيت سيطرت قوى شمال الشمال على اليمن.
سير احداث موتمر الحوار ومجرياته مثلت تهديد حقيقي لسيطرة قوى شمال الشمال ما دعاهم للتحالف بكافة اختلافاتهم وتنوعاتهم السياسية فتحالف الموتمريين وعلى راسهم الرئيس السابق والحوثيين والهاشمية السياسية والقادة العسكريين لعرقلة ذلك الامر وفق عدة استراتيجيات.
كانت استراتيجية علي عبدالله صالح محاولة اقلاق الامن وتحريك عناصر التخريب لمصالح الوطن وهدفه من ذلك ان تبدا عمليات عسكرية في اي جزء من اليمن ليلعب انصاره في الموسسة العسكرية لعبتهم بلخبطة الوضع وتوقيف موتمر الحوار. كان يدفع لكل مخرب لشبكات الكهرباء المغذية للعاصمة صنعاء ملايين الريالات. فهم الرئيس هادي استراتيجية عدوه فتعامل معها ببالغ الذكاء والحنكة اذ لم يسمح بتحريك اي قوة او بدء اي عمليات عسكرية، اوعز عفاش للحوثيين بان الفرصة سانحة لهم لطرد السلفيين من صعدة مدركا بذلك ان السلفيين سوف يستميتون في الدفاع عن مركزهم مما سيودي الى مجازر ومعارك تستلزم تحرك الجيش اليمني باوامر من الرئيس هادي وهو مطلب عفاش الاساسي.
لكن هادي ايضاً تنبه لهذا الفخ ولم يحرك ساكناً بل اتصل للحجوري زعيم السلفيين مخبراً اياه بانه لا يستطيع تقديم اي شيء لهم لان لديه اولويات اخرى تتعلق بمستقبل الوطن ككل ودعاه للدفاع عن نفسه ما استطاع وان عجز فانه سيعوضه بارض في الحديدة.
جن جنون عفاش لإفشال الرئيس هادي كل خططه لعرقلة موتمر الحوار ما دعاه لعقد مؤتمر صحفي خرج فيه عن طوره وعن اللياقة ليتعرض لشخص الرئيس هادي وانه لايفهم.. كان ذلك الكلام يبين قدر الوجع والالم الداخلي لدى عفاش من افشال هادي لكل خططه.
تواصل نجاح هادي في ادارة مؤتمر الحوار الوطني الشامل وسط ذهول القوى المعارضة والمعرقلة من داخل المؤتمر ومن خارجه حتى وصل المؤتمر الى نهاياته وقرب اختتامه. صمود هادي وحنكته ادى الى تشظي معارضيه وفشلهم في افشال المؤتمر حتى اصبح داخل حركة الحوثيين اجنحة مختلفة الرؤى وهو ما قاد الجناح المتطرف لتصفية الدكتور أحمد شرف الدين ممثل الحوثيين في المؤتمر لهدفين اولها التخلص من زعيم الجناح المعتدل داخل الحركة والثاني محاولة افشال اختتام مؤتمر الحوار حيث جاء الاغتيال في صبيحة التوقيع على الوثيقة الختامية للمؤتمر.
ومجددا تظهر حكمة وحنكة القائد الرئيس هادي حيث فاجأ الحظور في قاعة المؤتمر بدخوله غير المتفق عليه مسبقاً للقاعة واعلانه بكل جرأة وقوة ان المؤتمر اختتم اعماله بنجاح وان انسحاب الحوثيين يعتبر جبن وخيانة للشعب. رفع هادي حينها وثيقة مخرجات الحوار مخاطباً الاعلام ان هذه اصبحت وثيقة اممية وهو يعلم ماذا تعني لخصومه فهي وثيقة اعادة صياغة العقد الاجتماعي في اليمن من دولة مركزية الى دولة اتحادية.
ادرك خصوم هادي وقوى النفوذ في شمال اليمن ان نجاح هادي في اتمام مؤتمر الحوار الوطني يعد قاصمة الظهر بالنسبة لهم فاجمعوا امرهم على منعه من تطبيق المخرجات ولو كلف ذلك الامر احتلال العاصمة ومحاصرة الرئيس واختطاف امين عام الحوار الوطني ومعه النسخة النهائية للمخرجات.
تحالف في ذلك كل قوى النفوذ في شمال الشمال من حوثيين وموتمريين وعفاشيين وهاشمية سياسية وقيادات عسكرية ليكونوا جبهة عريضة ادت الى غزو عدن التي لاذ بها الرئيس هادي وما تلاها من احداث بعد تدخل التحالف العربي لدعم الشرعية.
وصول اليمن لتلك المرحلة وضعها على مائدة اطماع مختلف الاطراف المشاركة في العمليات العسكرية سواء الداعمة للحكومة الشرعية او الداعمة للمليشيات الانقلابية واصبحت اليمن ساحة لتصفية حسابات اقليمية ودولية وملف ضمن ملفات شائكة في المنطقة ما جعل امر الحسم فيها صعب المنال.
في هذه الظروف ووسط تشابك المشهد وازدياده ضبابية ووصول الامر الى طريق شبة مسدود لم يجد الرئيس من حل يبرأه امام التاريخ الا ان يتنازل عن السلطة لثمانية رجال من مختلف مناطق اليمن ويحملهم مسؤولية اخراج الوطن من مأزقه، فبالنسبة له ذلك اهون من ان يخضع او يتنازل او يبيع شئ من الوطن او سيادته.
سيكتب التاريخ أن الرئيس هادي هو صاحب المشروع الوطني الحضاري الأرقى في تاريخ اليمن لكن خذله الجميع، خذله اهل الشمال بتهمة أنه انفصالي وخذله اهل الجنوب بتهمه أنه وحدوي.