سنتان ونصف ميت في نظر أهله
حكاية مختطف لا زال في مجاهل أقبية التعذيب الحوثية
هنا حكاية مختطف تقف كل معاني الإنسانية خجلة أمام ما يعانيه في سجون الحوثيين.
الحكاية الآتية هي نتاج تحقيق واتصالات قام بها رئيس منظمة رصد للحقوق والحريات المحامي عرفات حمران.
وأنت تقرأ تفاصيل القصة (المأساة) ستشعر أن الإنسانية كلمة تفقد كل معانيها -جملة وتفصيلًا- من أول مقابلة مع وحوش آدمية تجعل من آدميتك ملهاة لوحوش كاسرة تخمش كل معانيها بلا ذرة شفقة.
المختطف محمد عبدالله العهامي (الرعدي) ابن القاضي عبدالله العهامي، درس في إحدى الجامعات الهندية قسم الإعلام، أمه تحمل شهادة البكالوريوس في الشريعة والقانون، يسكن في حي مسبح في مدينة تعز.
لم يدر بخلده يومًا أنه سيقع بين مخالب الافتراس الإجرامية المجردة من كل مشاعر الإنسانية فتوجه يومًا ما إلى مدينة القاعدة إحدى مدن ضواحي إب بالقرب من منطقة الحوبان في تعز، ذهب بغرض بيع قطعة أرض يملكها والده، وهناك كانت تتربص به مخالب البطش الإرهابية التي تجردت من كل القيم.
الرواية التي سربها من معتقله الجنهمي تقول:
اختطفه الحوثيون من مدينة القاعدة أخذوه إلى سجن الأمن السياسي في محافظة إب، وضعوه في الزنزانة رقم ٣ انفرادي، ثم بعدها بأيام تم إنزاله إلى بدروم الأمن السياسي زنزانه رقم ٣ انفرادي ليمكث فيه ما يقارب ٣ سنوات ونصف.
هنا نطلب من مشاعركم الإنسانية أن تطلق عنان الخيال وتتصور إنسانًا يختطف ويخفى قسريًا عن أهله 3 سنوات وفي زنزانة انفرادية!
معلومات تسربت من سجنه وحصلت عليها منظمة رصد تقول أن الزنزانة (البدروم) هو عبارة عن خزان تركي قديم عمقه ١٢ مترًا تحت الأرض به ١١ زنزانة و١٧ إلى ٢٥ مختطفًا، كما أن الزنازين على شكل حدوة الفرس يتوسطهن ونش تعذيب يستخدم في الخارج لرفع الذبيحة ويستخدم في السجن لرفع المختطف (هكذا يصف المصدر الوضع عبر عن مكان استخدام آلة التعذيب ب "الخارج" وهو تعبير يُقصد به خارج السجن وكأن الخارج بعيد وعالم آخر وخيال وحلم)
ويواصل المصدر إفادته بالقول: يقيد يدي المختطف ويتم إدخال القيد إلى الونش ويتم الرفع ولك أن تتخيل مقدار الألم والعذاب؛ يفصل الجسم نصفين فلا تشعر بنصفك الأخر فيخرج منك البول لا إرادياً.
محمد العهامي منذ اختطاف تم إخفاؤه قسريًا ولم يسمح له باتصال ولم يعلم أحد مكانه حتى ظن أهله انه قد مات فصلوا عليه صلاة الغائب وتبرعوا بسقاية ماء صدقة على روحه ليقينهم بانه قد رحل عن الحياة.
ظل سنتين ونصف يطالب سجانيه باتصال لأله لكنهم لم يكونوا يحملون قلوبًا ولا إنسانية ولا قيم؛ كأنهم بشر آليون لا قلوب لهم ولا مشاعر ولا يشاركوننا كآدميين أيًا من تلك المعاني الإنسانية، فكان تجاوبهم مع معاناة محمد عكسيًا ضيقوا أكثر ونالوا منه تعذيبًا ووحشية أكثر، كان يشرف على عملية تعذيبه قيادي حوثي يدعى أبو هاشم شخصياً حيث أن الحوثيين يطلقون على أنفسهم ألقاباً ولا يعلنون أسماءهم بسبب ما يمارسونه من إرهاب ووحشية بحق المختطفين والمعتقلين والمواطنين، حتى لا تنكشف شخصياتهم، تماماً كتنظيم القاعدة وداعش.
كان المدعو أبو هاشم يشرف على تعذيبه وسجنه بنفسه بحجة أن محمد آلف كتابًا ضدهم، بلغت بمحمد المعاناة حدًا لا يطاق جراء التعذيب الجسدي الوحشي والتعذيب النفسي المجرد من كل معاني الآدمية، أضرب محمد عن الطعام شهرًا كاملًا؛ كاد أن يموت، مارسوا معه شتى أنواع التعذيب ليترك الإضراب لكنه أصر، وطالبهم فقط باتصال بأهله يطمئنهم عليه ويطمئن عليهم.
واصل محمد الإضراب حتى بلغ به الجهد مبلغًا كاد أن يقضي عليه حتى عجز عن حمل نفسه والوقوف على رجليه فضلًا عن المشي بهما أصبح، مصادر من المعتقل تحدثت عن أنهم شاهدوه وكأنه قد تقدم في العمر ستين سنة، خشي الجلادون الحوثيون أن تتسرب حالته للإعلام والمنظمات الإنسانية فاضطرت للسماح له باتصال لأهله.
لم يكن الاتصال بأهله سوى أحد فصول المعاناة التي يتفطر لها قلب الإنسانية، فلا دين ولا مذهب ولا ملة ولا قانون ولا شريعة تسمح لك بسجن آدمي ولا حيوان وتمارس بحق التعذيب والإخفاء عن أهله ولا حتى 3 أيام فما بالك بأسابيع وأشهرًا وسنوات!!
بعد سنتين ونصف تلقى أهله اتصال لم يكن مجرد اتصال بل مفاجأة مزلزلة للقلوب والمشاعر اكتشف أهل محمد أنه ما زال حياً.
هل تتخيل أن أماً سوف تتلقى النبأ عن ابنها المفقود كما أتلقاه أنا وأنت مهما كانت مشاعرنا عالية الإحساس مشحونة بالعواطف الإنسانية؟
كيف كان شعور أم محمد وإخوته وأهله؟ ضجت الزنزانة بالفرح والتهليل حين تمكن محمد من التواصل بأهله فكسف بأمه وأهله مع يقينهم جميعًا أنه قد مات؟
يتحدث رئيس منظمة رصد للحقوق والحريات عرفات حمران أن المختطف محمد العهامي تعرض لانتهاكات في سجون الحوثيين بلغت حدًا يندى له جبين الإنسانية، حيث يؤكد حمران تلقي المنظمة معلومات من مصادر موثقة ما يتعرض له من تعذيب نفسي وجسدي أفقده قدرته على الوقوف والمشي، منوهًا إلى أن السجون الحوثية عبارة عن مشرحة آدمية متنقلة يخرج منها المختطفون إما موتى أو في طريقهم إلى الموت أو يحملون أمراضًا وعاهات مستديمة.
وطالب حمران المنظمات الإنسانية والمجتمع الدولي والمبعوث الأممي بإنقاذ المختطف محمد العهامي كأولوية قصوى من منطلق إنساني بحت.
محمد إعلامي تهمته الكبيرة والخطيرة والتي استحق عليها نقمة الحوثيين هي قلمه لا غير، ذكرت مصادرنا من المعتقل أن لجنة حوثية قدمت من صنعاء إلى السجن، ليلتقوا من هذا الذي كتب وألف ضدنا!
محمد الآن مضرب عن الطعام، وهو الآن في السجن الانفرادي بسبب أن المختطفين أضربوا معه لينظروا في قضيته ويخرجوه.
وفي اتصاله مؤخرًا بأهله طالبهم بعكازات لتساعده على حمل نفسه بعد فقدانه القدرة على الوقوف والمشي نظرًا لتدهور حالته الصحية جراء الأهوال والتعذيب الوحشي الذي تعرض له.
محمد المثقف المتزن المسالم الهادئ يتعرض لأقسى وأبشع صنوف الإيذاء والتعذيب، بل إن مصادرنا تتحدث عن نية حوثية لتصفيته لولا خشيتهم من ضجيج الإعلام وتقارير المنظمات، وهم يتحينون الفرصة للإقدام على جريمة باتت إحدى سلوكياتهم المعتادة.
ينتظر محمد في معتقله الانفرادي الموحش كثلاجة موتى هبة إنسانية عاجلة لإنقاذه...