السعودية في قمة العشرين ... ثقل وهيبة
الحضور الكبير لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في قمة مجموعة العشرين بالأرجنتين كان مفاجأة من العيار الثقيل لكل من راهن ضد المملكة العربية السعودية، وضد ولي العهد السعودي شخصياً، فقد تسابق زعماء العالم الكبار على السلام عليه، ومناقشة العلاقات الثنائية والفرص المتاحة للتعاون، وكلٌ يطمح إلى رضا ولي العهد، وتعزيز العلاقات المشتركة، والنظر له كمنقذٍ وصاحب رؤية سيحققها.
في أول زيارة خارجية لولي العهد بعد أزمة قضية خاشقجي، كانت الدول الحليفة في الخليج والمنطقة على قائمة الزيارة: الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين وجمهورية مصر العربية، بالإضافة إلى تونس، حيث تم تأكيد الموقف العربي الرباعي ضد قطر وحلفائها في المنطقة، من جماعة «الإخوان المسلمين» إلى جماعات الإرهاب السنية والشيعية التي تدعمها قطر.
كان العالم يترقب هذه الزيارة، والصحافيون يصوّرون الأمير حتى حين لا يكون أمامهم إلا عبر شاشات العرض الخاصة بالقمة، وتهافت رؤساء العالم الأقوياء عليه في جلساتٍ خاصة أو في أروقة القمة، لأنهم بعيداً عن الحملات الإعلامية الممنهجة والمعادية للسعودية، التي سقطت فيها وكالات أنباء ووسائل إعلامية شهيرة، كانوا جميعاً حريصين على مصالح بلدانهم مع الدولة السعودية، لا بقوّتها الحالية فحسب، وهي كافية، ولكن بقوتها المستقبلية كذلك، تلك القوة التي يبنيها بخطى حثيثة ومحكمة ولي العهد السعودي.
خيّمت الخيبة على كل الدول والمنظمات والمؤسسات التي ناصبت السعودية وأميرها الشاب العداء، واتضحت هزيمتهم وهم يرونه محلّ احتفاء العالم وقادته الكبار، واكتفت الدولة التي قادت الحملة ضده بإرسال وزير خارجيتها يتلصص على حركات الأمير وسكناته، ويوزّع الابتسامات بجوار وزير الخارجية السعودي، بحثاً عن أي إشارة له بالاقتراب أو الحديث، ولكن أحداً لم يعره أي اهتمامٍ، وكانت اللقاءات والأحاديث مع الدول الكبيرة التي لم تشترك في الحملة المغرضة ضد السعودية وضد الأمير.
اجتمع الأمير محمد بن سلمان مع رئيس الولايات المتحدة دونالد ترمب، رئيس أقوى دولة في العالم، والدولة الحليفة منذ عقود للسعودية، واجتمع مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، رئيس ثاني أقوى دولة في العالم، واجتمع مع الرئيس الصيني شي جينبينغ، رئيس ثاني أكبر اقتصادٍ في العالم، كما اجتمع مع رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي، ووقف معه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون شارحاً مواقف بلاده وسياساته تجاه السعودية، ولحقته المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل على السلالم الكهربائية في أروقة القمة.
واجتمع الأمير السعودي الشاب ولي عهد السعودية بالرئيس الأرجنتيني، ورئيس كوريا الجنوبية، ونائب الرئيس الإندونيسي. وتمّ استقبال الأمير محمد لدى وصوله إلى الأرجنتين من قبل وزير خارجيتها، بخلاف غيره من الرؤساء، وهو ما يعني مدى الحفاوة به في الدولة المضيفة لقمة «جي 20».
ما قالته قمة العشرين بصراحة لكل العالم هو أن السعودية دولة شريكة ومهمة للغاية في الاقتصاد العالمي، وأنها دولة بالغة الأهمية في دعم الاستقرار العالمي، وأن كل الترهات والحملات المعادية لها ذهبت أدراج الرياح، وخاب ناشروها، وخسر النافخون في كيرها.
قبل قمة العشرين بالأرجنتين، كان وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو قد نشر مقالاً في صحيفة «وول ستريت جورنال»، يشرح فيه عظمة الدولة السعودية، وأهميتها دولياً في المجالات كافة، وهو مسبوقٌ بتصريحاتٍ مهمة لرئيسه ترمب، تصب في الموضوع نفسه، وتؤكد الأهمية ذاتها، وتصرّ على علاقاتٍ متقدمة مع السعودية.
وقبل القمة - كذلك - أدلى وزير الخارجية ووزير الدفاع الأميركيان – مايك بومبيو وجيمس ماتيس - بشهادتيهما في الكونغرس، وأكدا بما لا يدع مجالاً للشك أن ولي العهد السعودي لا علاقة له من قريبٍ أو بعيدٍ بقضية خاشقجي، وأن كل ما تم تناقله من تسريباتٍ أو اتهاماتٍ هي أبعد ما تكون عن الحقيقة، وهو ما كان قد أكده من قبل الرئيس ترمب، والرئيس الروسي بوتين، والرئيس الصيني شي جينبينغ، وغيرهم من زعماء العالم.
لقد كان ولي العهد السعودي قبلة الزعماء وكعبة الاقتصاديين ومُنَى المستثمرين ومقصد المحتاج والزعيم الملهم للشباب في العالم العربي والإسلامي بأسره، ليس في قمة العشرين فحسب، بل من قبلها ومن بعدها.
النموذج التنموي والسياسي والاقتصادي والثقافي الذي يبنيه ولي العهد السعودي في المجالات كافة في بلاده نموذجٌ ملهمٌ بحقٍ، وقد أعلن أكثر من مرة أن حلمه الشخصي، الذي سيرعاه ويضمن حدوثه، هو أنه سيحول منطقة الشرق الأوسط إلى «أوروبا الجديدة» وأفقٍ تنموي جديدٍ.
لقد أصبح الشباب العربي يأمل في نجاح النموذج السعودي الذي يطرحه ولي العهد السعودي، بحيث تمّ رفع سقف الطموحات والأحلام إلى «عنان السماء»، كما هو تصريح الأمير بنفسه. وهذا النموذج وهذا الطموح يقدّم خياراً جديداً لهؤلاء الشباب، بدل النماذج السائدة، من أصولية وطائفية وإرهاب وميليشياتٍ، التي اختطفت أجيالاً نحو الجريمة باسم الدين، والإرهاب باسم الإسلام، ونجاح مشروع ولي العهد السعودي هو هزيمة لكل هذه الشرور التي رعاها النظام الإيراني لعقودٍ، ودعمتها وموّلتها قطر وتركيا.
دفعت تلك النماذج السيئة أجيالاً عربية ومسلمة إلى التخريب والدمار، ونشر الفوضى، وهدم الدول، ونشر الدماء، تحت شعاراتٍ ومشاريع شوّهت الإسلام، واستخدمته سلعة في أسواق نخاسة السياسة. وكل هذه النماذج السيئة كانت تقول لأتباعها إن النموذج الأمثل قد حدث في الماضي، والمهمة الكبرى هي استعادته والرجوع إليه، بينما يقول مشروع ولي العهد السعودي إن النموذج الأفضل هو في المستقبل الذي نبنيه، ونخطط له وننفذه، وإن الأجمل لم يأتِ بعد، بل هو برسم البناء والتطوير الدائم.
بُنيت النماذج السيئة على حالات غلو، من انتظار مهدي سيخرج إلى خلافة ستعود، في سلسلة مدمرة للعقل والمنطق، ومعاكسة لطبيعة التاريخ، ذهبت فيها زهرة أعمار أجيالٍ، بينما بنى ولي العهد السعودي نموذجه على حقائق وأرقامٍ لا تخطئ ولا تكذب، وعلى طموحات تتجاوز التحديات، وآمالٍ عراضٍ بالقدرة على البناء والتخطيط والتنفيذ. وشتان بين من يعيش في الماضي ليخرب الحاضر، ومن يستخدم أمجاد الماضي وجهد الحاضر لبناء مستقبلٍ مشرقٍ.
أخيراً، فما أكدته قمة العشرين في الأرجنتين هو أن السعودية دولة كبيرة في العالم، وبالغة التأثير، وأن الزوابع تذهب أدراج الرياح، وأن السعودية تزداد قوة ومنعة وعزة.