إضاءة تاريخية على المحطات الأبرز لثورة الـ14 من أكتوبر

مانشيت - خاص:

 ونحن نعيش احتفالات عيد ثورة 14 أكتوبر المجيدة، لابد من استحضار المحطات الرئيسية لهذه الثورة العظيمة، التي اندلعت ضد استعمار بغيض جثم على قلوب اليمنيين ردحاً من الزمن، وقدم الشعب اليمني التضحيات تلو التضحيات حتى نال جنوب الوطن استقلاله من الاستعمار البريطاني في 30 نوفمبر 1967، بعد احتلال دام 129 عاماً.

وفيما يلي نرصد المحطات الأبرز لهذه الثورة متضمنة إضاءة على أسبابها والظروف المحيطة بتشكلها والوصول اليها، مرورا بتطوراتها ومآلاتها :


أولى شرارات الثورة

انطلقت الشرارة الأولى لثورة 14 أكتوبر في اليمن الجنوبي في 1963 ضد الاستعمار البريطاني، وذلك من جبال ردفان، بقيادة راجح لبوزة ، وشنت السلطات الاستعمارية حملات عسكرية غاشمة استمرت ستة أشهر ، ضربت خلالها القرى والسكان الآمنين بمختلف أنواع الأسلحة، تشرد على إثرها آلاف المدنيين العزل. واتّبعت القوات البريطانية في هجماتها وغاراتها على مناطق ردفان سياسة "الأرض المحروقة"، وخلفت كارثة إنسانية فظيعة جعلت أحد أعضاء مجلس العموم البريطاني يدين تلك الأعمال اللا إنسانية.

نفذ خليفة عبد الله حسن خليفة في 10 ديسمبر 1963 عملية فدائية بتفجير قنبلة في مطار عدن في إطار الكفاح ضد الاحتلال البريطاني، وأسفرت عن إصابة المندوب السامي البريطاني (تريفاسكس) بجروح ومصرع نائبه القائد جورج هندرسن، كما أصيب أيضاً بإصابات مختلفة 35 من المسؤولين البريطانيين وبعض وزراء حكومة الاتحاد الذين كانوا يهمون بصعود الطائرة والتوجه إلى لندن لحضور المؤتمر الدستوري الذي أرادت بريطانيا من خلاله الوصول مع حكومة الاتحاد إلى اتفاق يضمن الحفاظ على المصالح الإستراتيجية لها في عدن. وكانت هذه العملية الفدائية التي أعاقت هذا المؤتمر هي البداية التي نقلت الكفاح المسلح ضد الاستعمار البريطاني من الريف إلى المدينة.

وفي 11 ديسمبر 1963 صدر قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، قضى بحل مشكلة الجنوب اليمني المحتل وحقه في تقرير مصيره والتحرر من الحكم الاستعماري البريطاني. وفي عام 1965 اعترفت الأمم المتحدة بشرعية كفاح شعب الجنوب طبقاً لميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان.


أحداث 1964

بدأت في 7 فبراير 1964 أول معركة للثوار اليمنيين استخدموا فيها المدفع الرشاش في قصف مقر الضابط البريطاني في ردفان (لحج) ، وفي 3 أبريل 1964 شنت ثماني طائرات حربية بريطانية هجوماً عدوانياً على قلعة حريب، في محاولة للضغط على الجمهورية العربية اليمنية ، لإيقاف الهجمات الفدائية المسلحة التي يشنها فدائيو الجبهة القومية من أراضيها. وفي 28 أبريل 1964 شن مجموعة من فدائيي حرب التحرير هجوماً على القاعدة البريطانية في الحبيلين (ردفان) ، وقامت طائرات بريطانية في 14 مايو 1964 بغارات ضد الثوار في قرى وسهول ردفان، أدت إلى تدمير المنازل في المنطقة، كما أسقطت منشورات تحذيرية للثوار الذين أسمتهم بـ"الذئاب الحمر" ، وفي 22 مايو 1964 أصاب ثوار الجبهة القومية في ردفان طائرتين بريطانيتين من نوع "هنتر" النفاثة .


الكفاح المسلح

انطلق الكفاح المسلح ضد المستعمر البريطاني وأعوانه في إمارة الضالع بتاريخ 24 يوليو 1964 بقيادة علي احمد ناصر عنتر ، عقب عودة عدد من الشباب من تعز الذين خضعوا فيها لدورة تدريبية عسكرية دامت شهرين لينظموا إلى صفوف الرجال العائدين من شمال الوطن بعد مشاركتهم في الدفاع عن ثورة 26 سبتمبر في صفوف الحرس الوطني. وقد تلقى الثوار كل الدعم من إخوانهم في الشمال، فعاد قادتهم من تعز ومعهم السلاح والذخائر والقنابل اليدوية . 

 

 

أحداث 1965

اشتدت العمليات الفدائية على قوات الاستعمار واصدرت قانون الطوارىء في 19 يونيو 1965 وحظرت بموجبه نشاط الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل ، واعتبرتها حركة إرهابية، وقامت بأبعاد 245 مواطناً من شمال اليمن.

عقدت الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل مؤتمرها الأول في تعز بتاريخ 22 يونيو 1965 ، وأعلنت فيه موقفها الثابت لمواصلة الكفاح المسلح ضد المستعمر البريطاني حتى جلائه عن أرض الوطن. واعتبرت نفسها الممثل الوحيد لأبناء الجنوب اليمني المحتل. وأقرت في هذا المؤتمر لائحتها الداخلية والميثاق الوطني.

في 30 يوليو 1965 هاجمت فرقة ثورية بقيادة علي احمد ناصر عنتر سرية بريطانية كانت قد تمركزت بنفس اليوم حول دار أمير الضالع، لتعزيز الحراسات لحمايته من هجمات الثوار ، واصيب خلالها القائد الميداني علي شائع هادي بثلاث طلقات رصاص . وفي 25 أغسطس 1965 رفضت الجبهة القومية نتائج مؤتمر جدة بين الرئيس جمال عبد الناصر رئيس الجمهورية العربية المتحدة، والملك فيصل بن عبد العزيز ملك المملكة العربية السعودية، ونعتته بـ"مؤتمر الخيانة"، ورفضت أي حلول أو تسوية مع الملكيين باعتبار ذلك تهديدا للنظام الجمهوري وإضعافا للثورة في الجنوب. 

اعلنت بريطانيا في 2 أكتوبر 1965 عن عزمها البقاء في عدن حتى عام 1968 مما ادى لانتفاضة شعبية عنيفة ضد البريطانيين في المدينة اسفرت عن خسائر كبيرة بشرية ومادية.

 

أحداث 1966

أصدرت الخارجية البريطانية "الكتاب الأبيض" في 22 فبراير 1966 الذي أعلن رسمياً قرار بريطانيا القاضي بمنح مستعمرة عدن والمحميات الاستقلال مطلع 1968. شكلت الجبهة القومية في 5 ابريل 1966 ، لجنة لجمع التبرعات من المناطق الشمالية، استهلت اللجنة عملها من لواء إب حيث بادر المسؤولون والمشايخ والمواطنون بالتبرع بالمال والحبوب بأنواعها وأسهموا بنقلها إلى قعطبة.

وفي 22 ابريل 1966 اسقط ثوار جيش التحرير طائرة بريطانية أثناء قيامها بعملية استطلاعية لمواقع الثوار في الضالع والشعيب، فأرسلت السلطات الاستعمارية للغاية نفسها طائرة أخرى، فكان مصيرها كسابقتها، ما جعل القوة الاستعمارية وأعوانها تشدد من قصفها للقرى وتنكل بالمواطنين فيها. في 28 يوليو 1966 نفذ فدائيون في حضرموت عملية قتل الكولونيل البريطاني جراي ، قائد جيش البادية. وكان هذا الضابط هو الذي نفذ عملية اغتيال المناضلة الفلسطينية رجاء أبو عماشة عند محاولتها رفع العلم الفلسطيني مكان العلم البريطاني أثناء فترة الانتداب البريطاني لفلسطين.

أعلنت الحكومة البريطانية في أغسطس 1966 اعترافها بقرارات منظمة الأمم المتحدة لعامي 1963 و1965 الذي أكدت فيه حق شعب الجنوب اليمني المحتل في تقرير مصيره.

في 31 ديسمبر 1966 قام ثوار جيش التحرير بهجوم مباغت على القاعدة البريطانية في الضالع، أدى إلى مقتل ثلاثة جنود وإصابة ثمانية آخرين، وتدمير ثلاث سيارات "لاند روفر" وإحراق عدد من الخيام بما فيها من مؤن ومعدات. في غضون ذلك وحد ثوار الضالع وردفان والشعيب هجماتهم على القوات الاستعمارية وأعوانها من خلال تشكيل فرقة قتالية مشتركة أسموها "الفرقة المتجولة" بقيادة علي شايع هادي.

في 5 أكتوبر 1966 قدم ثوار الشمال الدعم الشعبي والعسكري الكبير لأخوانهم في الجنوب ، وذلك بدأً من الضالع وحتى وصولهم إلى عدن ، مما أدى إلى الضرر الأكبر في صفوف القوات البريطانية ، والهزيمة الساحقه في نفوس قوات الاحتلال البريطاني .

 

أحداث 1967

في 15 فبراير 1967 خرجت جماهير غفيرة في عدن في مظاهرات حاشدة معادية للاستعمار البريطاني وهي تحمل جنازة رمزية للشهيد مهيوب علي غالب (عبود) الذي استشهد أثناء معركة ضد القوات الاستعمارية في مدينة الشيخ عثمان.

أصدرت الجامعة العربية في 8 مارس 1967 قراراً تشجب فيه التواجد البريطاني في جنوب اليمن. وفي | 2 ابريل 1967 حدث إضراب عام شل كافة أجهزة العمل في مدينة عدن ، دعت إليه الجبهة القومية وجبهة التحرير في وقت واحد.

في 3 ابريل 1967 نفذ فدائيو حرب التحرير عدة عمليات عسكرية ناجحة ضد مواقع وتجمعات المستعمر البريطاني في مدينة الشيخ عثمان بعدن، كبدوا خلالها القوات الاستعمارية خسائر فادحة في الأرواح والعتاد، وسقط خلالها عدد من الشهداء في صفوف الفدائيين.

تمكن الفدائيون في 20 يونيو 1967 من السيطرة على مدينة كريتر لمدة أسبوعين.

وفي 21 يونيو 1967 سيطر ثوار الجبهة القومية في إمارة الضالع على عاصمتها ومعهم آلاف المواطنين الذين دخلوها في مسيرة حافلة يتقدمهم علي احمد ناصر عنتر. وتبع ذلك سيطرة الجبهة القومية على مشيخة المفلحي في 12 أغسطس 1967 بعد أن زحفت عليها بمظاهرة كبيرة شارك فيها أبناء القرى والمناطق المحيطة بالمشيخة، وتوالى بعد ذلك سقوط السلطنات والمشيخات بيد الجبهة.

تأسست إذاعة المكلا في 28 سبتمبر 1967 التي انطلقت باسم "صوت الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل". وفي 5 نوفمبر 1967 أعلنت قيادة الجيش الاتحادي في جنوب الوطن المحتل وقوفها إلى جانب الثورة ودعمها للجبهة القومية، بعد أن باتت غالبية المناطق تحت سيطرتها.

 

نيل الإستقلال

أعلن وزير الخارجية البريطاني (جورج براون) في 14 نوفمبر 1967 أن بريطانيا على استعداد تام لمنح الاستقلال لجنوب الوطن اليمني في 30 نوفمبر 1967 وليس في 9 يناير 1968، كما كان مخططاً له سابقاً.

بدأت المفاوضات في جنيف بين وفد الجبهة القومية ووفد الحكومة البريطانية في 21 نوفمبر 1967 من أجل نيل الاستقلال وانسحاب القوات البريطانية من جنوب الوطن. وجرى في ختامها توقيع اتفاقية الاستقلال بين وفد الجبهة القومية برئاسة قحطان محمد الشعبي ، ووفد المملكة المتحدة (بريطانيا) برئاسة اللورد شاكلتون.

و بدأ انسحاب القوات البريطانية من عدن في 26 نوفمبر 1967 ، وغادر الحاكم البريطاني هامفري تريفليان.

وفي 30 نوفمبر 1967 تم جلاء آخر جندي بريطاني عن مدينة عدن ، وإعلان الاستقلال الوطني وقيام جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية ، بعد احتلال بريطاني دام 129 عاماً، وأصبحت الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل إبان حرب التحرير تتولى مسؤولية الحكم ، وتولى أمين عام الجبهة قحطان محمد الشعبي رئاسة الجمهورية وشكلت أول حكومة برئاسة قحطان الشعبي .