بِمناسبة مُرُور سِتِّين عامًا على أَوَّل بَعثَة دِراسِيَّة يَمَنيَّة إِلى اَلأُردن: بَاوزِير يُوثِّق تَارِيخ الابْتعاث الدِّراسيِّ اليمَنيِّ فِي اَلأُردن

مانشيت - د . باسل باوزير :

صَدرَت فِي العاصمة الأرْدنِّيَّة عَمَّان دِراسة تُوثِّق لِتارِيخ الابْتعاث الدِّراسيِّ والتَّعْليميِّ اليمَنيِّ فِي الممْلكة الأرْدنِّيَّة الهاشميَّة. أتتْ الدِّراسة كمساهمة مِن مُؤلفها الدُّكْتور بَاسِل عَبْداَللَّه مُحمَّد بَاوزِير، فِي الإضاءة على جَانِب الابْتعاث الدِّراسيِّ والتَّعْليميِّ لِلْيمن فِي اَلأُردن، خَاصَّة أنَّ اليمن فِي النِّصْف الثَّاني مِن القرْن العشْرين تَوسعَت فِي بعثاتهَا الدِّراسيَّة، حَيْث أَحدَثت هَذِه البعثات تأْثيرًا فِي المجْتمع اليمَنيِّ، بل كان هذَا التَّأْثير هُو الأسَاس فِي اَلكثِير مِن الأحْداث السِّياسيَّة اَلمهِمة اَلتِي شهدتْهَا اليمن فِي فَترَة خمْسينيَّات وسِّتْينيَّات القرْن الماضي. ومع ذَلِك وجد اَلمُؤلف أنَّ بَعْض الأدبيَّات اَلتِي تمَّ نَشرُها حَوْل تَارِيخ الابْتعاث الدِّراسيِّ الخارجيِّ تناولتْه مِن زوايَا مُحَددَة فقط، لِذَلك تَهدِف دِراسَته إِلى تَصحِيح الوضْع وَتزوِيد اَلقُراء بِالْأدوات النَّظريَّة والْوثائقيَّة لِفَهم تَارِيخ الابْتعاث فِي اليمن بِشَكل عامٍّ مع تخْصيصه لِلْأرْدنِّ كَنَموذَج لِهَذا الابْتعاث.


تَندَرِج دِراسة بَاوزِير ضِمْن الأدبيَّات التَّاريخيَّة والاجْتماعيَّة فِي هذَا المجَال، وَهِي مُقَسمَة إِلى ثَلاثَة فُصُول مواضيعيَّة، لََا يُحدِّد كُلُّ مِنهَا التَّوْثيق التَّاريخيُّ فحسْب ، بل يُشير أيْضًا إِلى الدَّوافع المتعلِّقة بِخطط التَّنْمية فِي اليمن بِاعْتبارهَا الدَّافع الأساسيِّ لِلابْتعاث الخارجيِّ لِلطُّلَّاب اليمنيِّين اَلذِي لَم يَقتَصِر فقط على الطُّلَّاب اليمنيِّين مِن دَاخِل البلَاد، وَإِنمَا اِمْتدَّ لِيشْمل اِبتِعاث أَبنَاء المغْتربين اليمنيِّين فِي الخارج، حَيْث تأسست اَلعدِيد مِن المبادرات الأهْليَّة لِدَعم الابْتعاث الخارجيِّ الدِّراسيِّ وَهذَا يَعكِس وفْقًا لِلْمؤَلِّف وَعْي المغْتربين اليمنيِّين لِأهمِّيَّة التَّعْليم الجامعيِّ لِأبْنائهم فِي مُوَاطِن الاغْتراب.

فِي الفصْل الأوَّل يَعرِض اَلمُؤلف لِمفْهوم الابْتعاث الدِّراسيِّ والْخلْفيَّة التَّاريخيَّة لِتطوُّره مِن خِلَال تَقدِيم مُقَاربَة مَا بَيْن الابْتعاث الدِّراسيِّ فِي العصْر اَلحدِيث والْهجْرة فِي طلب العلم فِي الحضارات القديمة وَمِنهَا الحضارة الإسْلاميَّة، يَنتَقِل اَلمُؤلف فِي الفصْل الثَّاني إِلى تَناوُل بِدايَات الابْتعاث الخارجيِّ الدِّراسيِّ لِلطُّلَّاب اليمنيِّين، سَوَاء مِن قِبل السُّلطات الحاكمة لِلْيمن شمالا وَجنُوبا، أو مِن خِلَال المبادرات الأهْليَّة اَلتِي فطنْتُ لِأهمِّيَّة الابْتعاث وَسَاهمَت فِي دَعمِه، ويركِّز اَلمُؤلف فِي هذَا الفصْل على دَوْر الصَّناديق الخيْريَّة وتجْربتهَا اَلأُولى فِي دَولَة اَلكُويت والْممْلكة العربيَّة السُّعوديَّة والْممْلكة الأرْدنِّيَّة الهاشميَّة اَلتِي حَظِي فِيهَا الصُّنْدوق اَلخيْرِي الحضْرمي بِتسْهيلات كَبِيرَة مِن الجامعات الأرْدنِّيَّة وَخَاصَّة جَامِعة آل البيْتِ اَلتِي تمَّ اِبتِعاث إِليْهَا مِئَات الطَّلَبة اليمنيِّين أغْلبهم مِن أَبنَاء المغْتربين فِي الخارج. كمَا يُضيء اَلمُؤلف على تَجرِبة الابْتعاث الخاصَّة بِحزْب رَابِطة أَبنَاء الجنوب العرَبيِّ اَلذِي مَوَّل اِبتِعاث اَلعدِيد مِن الطُّلَّاب لِلدِّراسة العسْكريَّة فِي الكلِّيَّات العسْكريَّة المصْريَّة فِي سِتْينيَّات القرْن الماضي. وَفِي الفصْل الثَّالث مِن الدِّراسة، اِخْتَار اَلمُؤلف تَقدِيم تَجرِبة الابْتعاث اليمَنيِّ فِي الجامعات الأرْدنِّيَّة مِن خِلَال تجْربَته الشَّخْصيَّة وتحيُّزاته الإدْراكيَّة عن الفتْرة اَلتِي قضاهَا كمبْتَعث لِلدِّراسة فِي الجامعات الأرْدنِّيَّة، ومَا تُوفِّر لَه مِن وَثائِق عن أَوائِل الطُّلَّاب اليمنيِّين الدَّارسين فِي الممْلكة الأرْدنِّيَّة الهاشميَّة مِن خِلَال أَوَّل بَعثَة دِراسِيَّة مِن الطُّلَّاب اليمنيِّين سنة 1963.

يَختَتِم الدُّكْتور بَاوزِير دِراسَته بِخاتِمة تُلخِّص أهمَّ التَّحدِّيات الحاليَّة والْمسْتقْبليَّة اَلتِي تُواجههَا تَجرِبة الابْتعاث الخارجيِّ فِي اليمن بِنظْرة اِسْتشْرافيَّة قَائِمة على التَّغيُّرات فِي بِيئة التَّعْليم الجامعيِّ وَضَرورَة تَكيُّف سِياسة الابْتعاث مع المتغيِّرات، بِمَا فِي ذَلِك الأثر اَلكبِير اَلذِي أحْدثَتْه ثَورَة الاتِّصالات على اَلصعِيد العالميِّ، وانْعكاستهَا على تَوفُّر البنْية التَّحْتيَّة لِلْعدِيد مِن التَّخصُّصات فِي الجامعات اليمنيَّة وبالتَّالي لَم يَعُد مِن الجدْوى اِسْتمْرار الابْتعاث بِهَا.

بِالنِّسْبة لِلْباحثين الَّذين يرْغبون فِي تَطوِير معْرفتهم فِي هذَا المجال من الدراسات، تَعُد هَذِه الدِّراسة أساسًا جيِّدًا لِلْبنَاء عليْهَا، وَهذَا يَعنِي أنَّ الغرض الرَّئيسيَّ مِن الدِّراسة هُو إِمْكانيَّة اَلوُصول والتَّأْكيد على الاهْتمام بِهَذا النَّوْع مِن الدِّراسات التَّاريخيَّة والاجْتماعيَّة. الدِّراسة غَنيَّة بِالتَّجارب المعاصرة فِي مَجَال الابْتعاث الخارجيِّ خَاصَّة مِن المنْطقة العربيَّة، وَيمكِن أن تَكُون بِمثابة أَرْض خِصْبَة لِتوْسِيع المناقشة بِشَأن تَقيِيم تَجرِبة الابْتعاث الخارجيِّ لِلْيمن. وَمِن المأْمول أن تُسَاعِد الدِّراسة أيْضًا فِي تَحسِين تَجرِبة الابْتعاث الخارجيِّ بِطريقة تُوَاكِب مُقْتضيات التَّنْمية والْوَضْع الاقْتصاديِّ لِلْيمن، وتساعد على فَهْم ذَلِك بِطريقة مُسْتنيرة لِلْجمْهور اليمَنيِّ والْمهْتمِّين.


* اَلمُؤلف هُو: القاضي الدُّكْتور بَاسِل عَبْداَللَّه مُحمَّد بَاوزِير، أُسْتاذ القانون الدُّسْتوريِّ، تَخرُج مِن كُليَّة الدِّراسات القانونيَّة بِجامِعة آل البيْتُ بِالْأرْدنِّ وأكْمل مسيرَته العلْميَّة حَتَّى حصل على دَرجَة الدُّكْتوراه فِي القانون الدُّسْتوريِّ، كمَا حصل على دَرجَة القضَاء مِن المعْهد القضائيِّ الأرْدنِّيِّ. صدر لَه اَلعدِيد مِن اَلكُتب المطْبوعة، والْمقالات والدِّراسات العلْميَّة المنْشورة فِي الصُّحف والْمجلَّات والدَّوْريَّات.