مانشيتنا
زيارة العيدروس ..تخليد للذكرى وتعبير عن تراث (عدن) الصوفي
تحتفل الطرق الصوفية في ثاني جمعة من شهر ربيع ثاني، بذكرى حولية الإمام
أبوبكر بن عبدالله العيدروس، وهي مناسبة
ذكرى دخوله لمدينة عدن قادما تريم، قبل(560 )عام، ليستقر فيها ويبني مسجده الذي سمي
باسمه، و دفن في القبة الأمامية منه بعد وفاته في العام (914 )هجرية، مخلفا إرثا علميا
وسلوكيا لاتزال ذكراه حتى اليوم.
وتبدأ الطرق الصوفية والزوار بالتوافد إلى مدينة عدن من المحافظات اليمنية
الأخرى، قبيل حلول الثالث عشر من ربيع الثاني في كل عام، محافظة على طريقتها منذ
قرابة الستة قرون من الزمن، وعند حلوله تدشن الاحتفالات خلال الصباح بمواكب راجلة يشارك
فيها الجموع بمشاركة نسائية ينطلقون من منزل (المنصب) وهو الشخص الذي يتولى إدارة رباط
العيدروس التعليمي بمدينة كريتر، حتى تصل إلى مسجد العيدروس البعيد بمسافة تقدر
بمئات الأمتار، مرددين التواشيح والأناشيد الدينية وهم يرفعون اللافتات والشعارات
الممجدة لذكرى الإمام الراحل.
وحتى وقت قريب كانت فعاليات الحولية أو ما تعرف بـ(الزيارة) تقتصر على
يوم الجمعة فقط، حيث يفتح ضريح العيدروس، أمام الزوار، و يرافقها بعض الممارسات الخاطئة
شرعا مثل الاستغاثة و تناول (الطين(،لكن تلك الممارسات، اندثرت بفعل التوعية
الدينية المتكررة.
مطلع التسعينات أضيف في ذكرى الحولية أسبوعا ثقافيا تقدم فيه البحوث
الشرعية والدراسات، خلال أسبوع كامل ينهي أعماله ليلة الحولية، و يتبنى هذه الأسابيع
الثقافية، الشيخ أبوبكر بن علي المشهور، والذي يعد أحد مجددي الفكر الصوفي، و
انتهاجه وسائل أكثر ملائمة للعصر.
و تشهد البلدة القديمة (كريتر) أجواء احتفالية منذ مساء الأربعاء، حيث
تنظم الطريقة (القادرية) موكبا تعلوه (البيارق) و يلبس أعضاء الطريقة زيا موحدا
ويجوب أحياء و حواري المدينة القديمة، وسط زغاريد النساء و توزيع القهوة والحلويات،
وينتهي الموكب إلى مسجد العيدروس.
و تبدأ فعاليات الحولية منذ صباح الجمعة بموكب كبير ينطلق من منزل
المنصب و الذي ينحدر من أسرة (العيدروس) باتجاه المسجد، و ينشغل الحاضرون بالأناشيد
الدينية، والموشحات، وفي المساء تتجمع الطرق الصوفية في باحة المسجد القديم لإحياء (الحضرة) الصوفية، و التي تعد أكبرها الطريقة (الأحمدية) ويقع مقرها في مدينة الشيخ
عثمان.
وذكر التاريخ مواقف إصلاحية بطولية للإمام العيدروس في مواجهة الاحتلال
البرتغالي للسواحل الشرقية لليمن، قبل (600 )عام.
ويعتبر مسجد العيدروس الشهير في عدن من أهم المعالم التاريخية التي عرفت
بها المدينة عن غيرها، وفيه يقع الرباط التعليمي الذي تتخرج منه في كل عام دفعة
جديدة من طلبة العلم، والذي يعد معقل للجماعة الصوفية.
وتبلغ مساحة المسجد التاريخي قرابة (1500( م2
،وعند المساء تُشكل حلقات الحضرات الروحية وهي مجالس ذكر جماعية يرأس كل حلقة شيخ يحافظ
على وصول المجلس إلى لحظة الصفاء دون تشويش، وعادة ما تتألف الحلقة الواحدة من
قرابة مائة شخص.
و تشهد الطرق المؤدية للمسجد نشاطا إقتصاديا حيث يتجمع الباعة المتجولون
لبيع الحلويات و المشروبات، و إنشاء بعض الالعاب الخفيفة للأطفال ابتهاجا بهذه
المناسبة.
و تعد حولية (العيدروس) بحسب باحثين فعالية اجتماعية تراثية، تعود لقرون
من الزمن دأب عليها أهل المدينة، حتى طبعتها بطابعها الصوفي الرقائقي، حيث يقطع
"ناصر" مؤذن العيدروس سكون الليل الذي تتلفعه المدينة كل صباح بترانيم الفجريات
و معلقة "يارب ياعالم الحال" لتضفي على جوها بهاء وقدسية.
تبدو معه المدينة القديمة أشبه بقبة ناسك وخلوة واجد باحث عن ذاته في ذلك
السكون الذي أضناه الضجيج دون قيمة وفائدة، ليتخفف من أحمال روحه المثقلة.
يطل (العيدروس) من الجبل المطل موجها
ومرشدا بأبيات تنساب بين النفوس دونما موانع
لترويها بعد ظمأ وتملئها بعد فراغ تدلنا على طريق الله بدون وكيل أو حاجب، تشعر
معها الناس بالطمأنينة والراحة وتعكس عليهم ظلالا من روحانية وتملأ ازقتها عبقا من
إرث تليد ينضح بعبق السنين..