تقارير
نازحو الحديدة وجه آخر يكشف جرائم الحوثي وانتهاكاته
على شريط يمتد لنحو 200 متر نصبت مجموعة كبيرة من الخيم متوسطة الحجم تضم أكثر من 140 أسرة فرت من جحيم الحرب، التي أشعلتها ميليشيات الحوثي الانقلابية في محافظة الحديدة، لتستقر في الشيخ عثمان بالعاصمة المؤقتة عدن.
عند زيارة المخيم كان الوقت يقترب من منتصف الظهيرة، فيما كانت القدور على المواقد تنضح بروائح الأطعمة المختلفة، وكانت بداخل أحدها أسماك قطّعت على نحو غير مرتب، كما لو أنها وضعت على عجل استعدادا لوجبة الغداء.
"أوضاع النازحين"
زيارة المخيم من أجل إعداد مادة صحفية تجعلك عرضة للحرج، فالناس هنا يلقون التحية ويبادرونك بالتحية، ثم يسألونك بشكل مباشر هل أنت مندوب لمنظمة إغاثية...؟
مررنا برفقة شاب من المخيم على أغلب الخيم، وسمعنا أثناء الجولة أصوات نقاش مرتفعة لأربعة أشخاص تقترب أعمارهم من «الأربعين» يجلسون على فرشة خلف خيمة واسعة بدأ لونها في التغير بفعل أشعة الشمس الحارة.
كانت الأوضاع الإنسانية في الحديدة تطغى على أحاديثهم، فيما كان مجموعة من الصبية يجلسون في الجهة المقابلة غير مكترثين بما يدور حولهم من نقاش.
ويقول أحد النازحين ويدعى فتحي أمين: عندما فررنا من الحديدة لم نكن نعلم إلى أين نتجه، لكننا سلكنا الطريق الساحلي فوصلنا إلى هذا المكان بعد رحلة سفر شاقة، ويضيف: الوضع هناك تحت سيطرة الميليشيات ووصفه بـ«المأساوي»، وزاد: لم يكن أمامنا خيار سوى الرحيل.
ويتابع: مشاهدة جيرانك وهم يستعدون للرحيل تصيبك بالقلق، بل تجعلك تعتقد أنك ستكون عرضة للموت جوعا أو قتلا بسبب التوحش الحوثي إذا بقيت هناك.
"خيارات النزوح"
عانى سكان المخيم وغالبيتهم من الضواحي الجنوبية والشرقية للحديدة من ظروف صعبة قبل فرارهم منها، حيث انعدمت فرص العمل ما جعل مواجهة المعيشة لأسرهم مستحيلا.
ويقول محمد سعد البالغ من العمر نحو 46: لم تبق ميليشيات الحوثي للمواطنين أي فرصة في الحصول على العيش بأمان، فقد فر أغلب سكان المدينة، وتوقفت المخابز والبقالات والأسواق عن العمل، لافتا إلى أن أغلب مَنْ يعيش في هذا المخيم هم من عمال الأجر اليومي.
ويضيف: لم يبق لنا مكان نحتمي به من القذائف، فقد كان القصف -قبل رحيلنا- كثيفا ومخيفا، وكانت أصوات القذائف المتساقطة تصيب أطفالنا بالخوف والفزع، لهذا فررنا خوفا من موتهم رعبا.
"طفلة «الكمباحية"
ويتحدث سعد عن واقعة وفاة طفلة في قرية الكمباحية في كيلو 16 شرق الحديدة، بسبب وضع الميليشيات مدافع الهاوزر بجوار منزل أسرة تلك الطفلة، مشيرا إلى أنها توفيت متأثرة بالصدمة والرعب،
وقال: فزعت من نومها على صوت انفجار ضخم فكانت تصرخ برعب، لتصاب بتشنج وانهيار عصبي ما أدى لوفاتها.
ويقول سعد: لم يكن أمامنا سوى الرحيل وتركنا خلفنا كل شيء نملكه، مضيفا: نأمل أن نعود ونجد مقتنياتنا كما تركناها، دون أن تنالها أيدي ميليشيات الحوثي.
من جانبه، قال نازح آخر، يدعى محسن صغيري: تعرضك للاعتقال قد يكون في أي لحظة، فمجرد اعتراضك على أساليب عناصر الميليشيات، أو التشكيك في الولاء لها، سيعرضك للسجن، لافتا إلى قصص تروى عن تعرض المختطفين في معتقلاتها إلى التعذيب، الذي قد ينتهي بوفاة بعضهم.
ويختتم حديثه قائلا: كان الهروب من ذلك الجحيم أمرا ضروريا لتجنب وقوعنا في أيدي الانقلابيين أو التعرض للموت جوعا بعد أن توقفت المخابز والبيع والشراء في كثير من الأحياء السكنية.