تقارير
مانشيت يناقش ظاهرة التسرب من مدراس مودية بأبين.. هل بات الكلاشينكوف بديلاً عن الكراس؟
تواجه مديرية مودية، شرقي محافظة أبين، بشكل متصاعد ظاهرة تسرب التلاميذ من العملية التعليمية، ما يدفع الكثير منهم إلى الجنوح والانحراف السلوكي، بشكل يسهم في خلق ظواهر اجتماعية سلبية أخرى، كعمالة الأطفال واستغلالهم، والزواج المبكر بالنسبة للفتيات.
ويبحث "مانشيت"، في
الأسباب والدوافع الحقيقية لانتشار هذه الظاهرة التي تؤرق السلك التربوي، مفتشاً عن
المعالجات التي يجب اتخاذها للقضاء على الظاهرة التي امتدت لتصل تأثيراتها إلى كل
بيت، أو على الأقل الحدّ منها ومن انتشارها، والتصدي لعملية انتشارها بشكل أكبر.
يقول الإخصائي الاجتماعي، بمكتب التربية والتعليم بالمديرية، الأستاذ،
عبدالله سالم الهظام، إن "ظاهرة
تسرب الطلاب من المدارس من أهم المشكلات الاجتماعية والتربوية شيوعا وأكبر
المشكلات التي تشغل الأسر والمعلمين في الوقت الحاضر وترجع هذه الظاهرة إلى عدة
أسباب تتعلق بالظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والتربوية التي تعيشها
الأسر وتتأثر بها".
ارتباط بالمجتمع
ويضيف في حديثه لـ"مانشيت"، إنه "لا يمكن القضاء على
ظاهرة تسرب الطلاب والطالبات، ما لم نحل كافة المشاكل الموجودة، سواء كانت سياسية
أو مجتمعية، فوجود تعليم آمن ومستقر يتوقف على توفير استقرار سياسي واجتماعي ليس
في مديرية مودية فقط، وإنما في اليمن بشكل عام.. ولا يختلف اثنان على أن تسرب
الطلاب من المدارس واحدة من اهم ظواهر وعوامل انخفاض الكفاءة الإنتاجية في التعليم
الأمر الذي يتطلب إعطاء اهتمام متزايد من قبل الجميع لتلافي القصور والفاقد والهدر
في العملية التعليمية بكل ما يترتب عليه من ضياع المال والوقت والجهد المبذول في
التعليم والاستفادة الكاملة من النفقات الاقتصادية التي تضعها الدولة للتعليم."
ويرى معلم اللغة الانجليزية، الاستاذ، منير سالم، أن مفهوم التسرب
"يختلف طبقا لاختلاف الشروط الخاصة للتسرب لكل بلد، لكن السمة المميزة في
بلادنا أن تسرب الفتيات هو الأكثر شيوعا، وهذا التسرب يرجع إلى عدة أسباب اجتماعية
وتربوية .. فالأسباب الاجتماعية تتلخص في معارضة الآباء وأحيانا عدم مبالاتهم
بمتابعة تعليم أبنائهم وخاصة في مرحلة التعليم الأساسي"..
ويشير في حديثه لـ"مانشيت"، إلى أن إشراك الفتيات في
الأعمال المنزلية والاقتصادية والحرفية في بعض المناطق كرعي الأغنام ومزاولة
الخياطة، لا تعطي الفتيات وقتا كافيا للدراسة، كما أن هذه الأعمال تؤدي إلى ارهاق
جسدي بسبب صغر السن ونسبة الأمية المرتفعة في بعض المناطق، وتدني مستوى الأسر
العلمي وعدم مقدرة رب الأسرة على توفير مستلزمات العملية التعليمية بسبب الفقر وكل
هذه الأسباب تؤدي إلى تسرب الطلاب والطالبات على وجه الخصوص من التعليم".
متطرقاً إلى أن المجتمع اليمني يدفع بالكثير من الأبناء نحو الأعمال
التي تحتاج إلى عمال متخصصين للقيام بها، وهذا يشكل عامل مساعد على التسرب من
التعليم.
وأكد الاستاذ منير، أن الزواج المبكر للفتيات من اهم العوامل التي تؤدي لتسرب الفتيات من التعليم وخاصة في مرحلتي التعليم الأساسي والمتوسط، فلا تستطيع الفتاة التوفيق بين الاستمرارية في التعليم والزواج فتسرب الفتيات من التعليم في أحيان كثيرة يتم بعد الخطوبة مباشرة.
أسباب تربوية
ومن خلال تقصي "مانشيت" حول هذه الظاهرة ودوافعها، يتبيّن أن
العملية التعليمية هي نفسها تعاني من عدم الاختيار الجيد لقيادة الإدارات
التعليمية والمدرسية من أصحاب الكفاءات والمؤهلات التربوية وتغليب العلاقات
والولاءات السياسية والمناطقية في أوقات كثيرة على حساب قيادات مؤهلة نوعيا تحظى
باحترام الأوساط الاجتماعية.
كما ترتبط ظاهرة التسرب بأداء
المعلمين وعملية تأهيلهم وتعاملهم السلوكي كما أن عملية القبول في التعليم متروكة
لاختيار الناس مع أن دول عربية شقيقة يكون التعليم فيها الزاميا إذ يعاقب رب
الأسرة بالحبس إذا تبين أن عدم تعلم أبناءه أو تسربهم من التعليم يعود إليه، كم أن
هناك دول تصرف حوافز مالية للطلاب كتشجيع على التعليم.
ويعتقد التربوي، الاستاذ عمر المشرقي، خلال حديثه
لـ"مانشيت"، أن "رسوب الطالب المستمر في الصف الواحد يجعله يصل إلى
قناعة مفادها ألا فائدة مرجوة من تعليم يؤدي إلى الرسوب وهذا يجعلهم أكثر استعدادا
للتسرب من المدرسة، والمدرسة أيضا تغفل إشباع الهوايات المختلفة للطلاب وتفعيل دور
الأنشطة الصفية واللا صفية المواكبة للعملية التعليمية، وكذلك استخدام الضرب في
المدارس وغياب العلاقة المنظمة بين ثلاثي (المدرسة والإدارة التربوية والأسرة)".
لافتاً إلى أن معاناة الأسر من المشاكل المتعددة، يؤدي في معظم
الأوقات مشاكل أخرى أكبر، كالطلاق، وكل هذا ينعكس على نفسية الطالب أو الطالبة
فيجد التسرب من التعليم هو أقرب الطرق للتعبير عن الرفض..
وبرأييه فإن الحل لهذه الظاهرة "يتوقف على القدرة على القضاء على
أسبابها تدريجيا من خلال جهود مشتركة للأسرة والمدرسة والمجتمع عموما".
نتائج عكسية
يقول الأستاذ، أنور الجفري، إن "التسرب في التعليم أو الرسوب فيه
يشكل ضغطا على النظام التربوي واهدارا لموازنة الدولة ويؤديان إلى نتائج عكسية على
المجتمع".
مشيراً في حديثه لـ"مانشيت"، إلى أن الكثير من الدراسات
الميدانية التربوية، "تؤكد على الارتباط الوثيق بين الرسوب والتسرب، إذ أثبتت
هذه الدراسات أن أكثر المتسربين من التعليم هم في الأساس من التلاميذ الذين يرسبون
باستمرار كما أن هذه الدراسات ذكرت أسبابا وعوامل اقتصادية واجتماعية للتسرب وكذلك
تربوية، ومن هذه الأسباب التي ذكرت بشكل موجز: ضعف النظام التعليمي، قصور نظام
الامتحانات، وافتقار بعض المناهج إلى التشويق كونها تبعث على الملل والرتابة لدى
الطلاب وغياب استخدام طرق التدريب الحديثة ووجود معلمين غير مؤهلين".
ويعتقد الجفري، أن هناك ضعف الصلة بين عناصر المنهج وحاجات المجتمع
وقصور دور الإشراف والتوجيه وقلة المباني والتجهيزات المدرسية وغياب الوعي بأهمية
التعليم، إلى جانب انتشار الأمية في بعض المناطق وتفاقم الهجرة من الريف إلى المدن
واستخدام الأطفال في أعمال الزراعة والبناء والرعي والصيد والزواج المبكر وغيرها. "فالرسوب
يؤدي إلى التسرب والتسرب يؤدي بالأطفال إلى الشارع وما يمثله من وسط يؤدي إلى
الجنوح والانحراف السلوكي وقد يؤدي إلى إحداث مشاكل بين الأسرة".
واستطرد أن المعالجات لهذه الظاهرة باتت "ضرورة ملحة وقضية لا
تتعلق بمحافظة أبين لكنها قضية وطنية أضرارها تتفاقم كل يوم، فما يمكن أن نجد حلا
له اليوم، قد يتعذر معالجته مستقبلا، ومن وجهة نظري الحل يتمثل بربط المناهج ببيئة
الطلاب وتطوير مفرداتها بما يعزز الروح الوطنية لدى الناشئة وتنوع أساليب التدريس
وتطويرها مع مراعاة ظروف الطلاب، وكذلك اختيار النوعية الجيدة من المعلمين وكذلك
القيادات التربوية ومراجعة أساليب الامتحانات التي تركز حاليا على الحفظ
واستبدالها بأساليب تعمل على معرفة ماذا فهم الطالب وماذا استوعب وكيفية التقويم
بنزاهة عند التصحيح وتوعية الأهالي بضرورة تعليم أبنائهم والمتابعة المستمرة
والتنسيق بين البيت والمدرسة"..
بين الكراسة والكلاشينكوف
ومن بين الأسباب التي دفعت هذه الظاهرة إلى التوسع بشكل لافت أخيراً،
يرى الأستاذ، محمد هاورن، أن الوضع الحالي للبلد يعتريه الاضطراب، وأصبح الكثير
والكثير جداً من الطلاب يتركون كراس التعليم ويستبدلونها بقطعة كلاشينكوف، من خلال
الانخراط في السك العسكري الذي ربما يوفر لقمة عيش ولو بشكل غير منتظم.
ويضيف، أن انعدام الوظائف للخريجين السابقين تشكل حافزاً لمن خلفهم
لاختصار المسافة والحصول على مرتبات عن طريق الانضمام إلى الألوية العسكرية، خصوصاً
وأن تجارب من سبقوهم في إتمام المسيرة التعليمية شهاداتهم حبيسة الأدراج ولا تنفع في
الدرجات الوظيفية".
يرى الأستاذ فهمي القاضي، وكيل إحدى مدارس مديرية مودية، أن الظروف
المعيشية تدفع الكثير من الأسر إلى إشراك أبنائهم في أعمالهم لتغطية نفقة الأسرة
الاقتصادية، كما أن وفاة رب الأسرة يرمي بثقله على الأولاد لتوفير لقمة العيش للأسرة
.
وقال في حديثه لـ"مانشيت" إن الحلول لهذه الظاهرة المتفاقمة
"تتركز في الأساس على تحسين ظروف الأسرة المعيشية وضبط الأسعار وتقديم
المساعدات للأسرة ومجانية التعليم في كل مراحله وتأهيل العاملين بالحقل التربوي
وتفعيل دور التوجيه وتقديم المساعدة، وخصوصا في مناطق الأرياف حيث يزيد الفقر
وتأثيراته وإعادة النظر في المقررات الدراسية التي تفوق قدرات وأعمار التلاميذ
وخاصة في مرحلة التعليم الأساسي" .