بورترية
محمد المقبلي.. قاضي الملاعب الذي لن تتوقف صافرته
لم يكن ابن عدن، الراحل، محمد المقبلي، يخفي امتعاضه من الأوضاع
الصعبة التي باتت تعيشها مدينته في مختلف المجالات، وكان يبدي حزنه كل مساء على
كراسي "مخبازة الزمن"، بمدينة المعلا، برفقة أصدقاءه، مرتشفاً كاسات
الشاي، علّها تمرر العَبرةَ التي كانت تختلجه عن حال مدينته، مدركاً قلة حيلته.
محمد أحمد مقبل، الشهير بـ"المقبلي" والمولود مطلع
أربعينيات القرن الماضي، يعتبر من أبرز رواد الحركة الرياضية في عدن التي تميزت بإنجاب
الكثير منهم. وكان أحد لاعبي نادي "الحسيني" بمدينة كريتر العتيقة،
المميزين في خط المنتصف، وبقي نجمه لامعاً منذ أواخر الخمسينيات، حتى انخرط خلال
فترة الستينيات في مجال التحكيم في رياضة كرة القدم وقانون اللعبة، وكان عطاؤه
متميزاً للغاية، حتى وجد نفسه واحداً من بين أفضل حكام اللعبة في البلاد، ليبدأ
مشواره مع مهنته الجديدة، الذي ابتدأه مع دراسة قانون اللعبة.
كان العام 1964، هو ميلاد الحكم الجديد، وظهر بشكل جيد في أولى مباراة
تحت قيادته التحكيمية، التي جمعت بين ناديي الأحرار، ونادي شباب التواهي، وفي
العام التالي، عيّنت الجمعية الرياضية في عدن، المقبلي، سكرتيراً للحكام، وبات
يقود مباريات دولية لمنتخب عدن بعد الاستقلال، في النصف الأخير من ستينيات القرن
المنصرم، كان أبرزها أمام منتخبي السودان وإثيوبيا.
امتاز الفقيد المقبلي، بعمله الدؤوب والمثابرة والاجتهاد، وبابتسامته
الدائمة، وبقي مثالاً للقيم والأخلاق والوفاء، كان شخصاً اجتماعياً بامتياز،
ويحتفظ بحيز كبير من وفائه لأندية عدن ورياضتها بشكل عام، وظلّ محافظاً على التميز
المهني في مجال التحكيم، وكان معلب الشهيد الحبيشي، بمدينة كريتر، شاهداً على
أدائه الرائع في مهنته التي عشقها كحكم لكرة القدم، وفقاً لشهادات زملاءه
الرياضيين.
وفي العام 1970، كان المقبلي، واحداً من بين أفراد الطاقم التحكيمي
الذي أدار مباراة كأس "26 سبتمبر"، في العاصمة اليمنية صنعاء، بين مزيج
من منتخبي جنوب اليمن وشماله، والمنتخب الليبي، وسرعان ما نال الشارة الدولية،
وبات ثاني الحكام اليمنيين الأوائل، في الحصول على الشارة الدولية، وكانت أهم
مشاركاته في مسابقة الاتحاد الآسيوي، عام 1978 في المقامة في بنجلاديش، بعد
مشاركته في إدارة مباريات بطولة "كأس فلسطين" التي أقيمت في ليبيا، عام
1973.
قرر الراحل اعتزال التحكيم الدولي، متلفهاً لمشواره الجديد في قانون
لعبة كرة القدم، وبقي خلال تلك الفترة أبرز المساهمين في توعية لاعبي المنتخبات
الوطنية لكرة القدم، يشرح قوانين وضوابط اللعبة بسعادة بالغة، حتى كانت له مشاركة
في العام 1987، في دورة الاساتذة المحاضرين العرب، قبل أن يعتمده الاتحاد الدولي
لكرة القدم "فيفا" عام 2007، كمحاضر دولي.
رسّخ الرجل بصماته التحكيمية، على غالبية حكام لعبة كرة القدم في
اليمن بعد تتلمذهم على يديه، حتى صدور قرار من اتحاد الكرة، بتعيين المقبلي
مستشاراً لرئيس الاتحاد في شؤون التحكيم، ونائباً لرئيس لجنة الحكام العليا، في
العام 2013.
ثم توّجَ مسيرته الرياضية بالحصول على "الوسام الآسيوي
الذهبي"، كأعلى أوسمه الاتحاد الآسيوي، في 2013، نظير إنجازاته المتتالية
وخدمته للعبة كرة القدم، طوال نصف قرن من مسيرته الرياضية المتألقة والحافلة.
ويوم الأحد الماضي، رحل الحكم والمحاضر الدولي، محمد المقبلي، مودعاً
أهله وأحبته ومدينته التي عشقها، بعد أن وفاه الأجل، والتحق بالكثير من زملائه
الذين كان دائماً ما يتذكر معاناتهم وألمهم قبل رحيلهم، وسط إهمال وتقصير من
السلطات المعنية، وهو ما دفعه ليقول لأحد زملائه ذات مرّة، إنه أخبر أبناءه أن لا
يقبلوا أي تكريم أو إحياء أربعينية بعد وفاته، وبحسبه فإن "اللي يشتي يعمل
حاجة يعملها والعمر والعافية ما يزالان يدبّان فيك"، حسب ما ذكره زميله
لـ"مانشيت".
رحل المقبلي، أحد أعمدة الرياضة في عدن واليمن ككل، لكن نجمه الرياضي لم يأفل مطلقاً، وستظل بصماته مضيئة للرياضة اليمنية لعقود أخرى، مخلدة ذكراه وتاريخه المثابر المتحدّي لكل العراقيل..