كيف يهدد مشروع (الانتقالي) المصالح الدولية في اليمن؟
في عام 2013م وتحديدا ايام انعقاد مؤتمر الحوار الوطني الشامل في صنعاء، التقى السفير الفرنسي لدى اليمن آنذاك السيد فرانك جيليت بأعضاء الفرق المشاركة، وأثناء الحديث بين الدبلوماسي الفرنسي و اعضاء الحوار لفت السيد جيليت إلى أن بلاده تأمل أن تكون المحافظات النفطية (مارب،حضرموت،شبوة) ضمن إقليم واحد، وذلك لتسهيل التعامل مع سلطة الإقليم النفطي، لاسيما وأن هناك ارتباط تقني وفني بين محافظتي مأرب وشبوة على سبيل المثال في مشروع تصدير الغاز المسال الذي تملك شركة توتال الفرنسية منه حصة تقدر ب39٪ وهي الحصة الاكبر، ولمدة عشرين عاما، حيث يستخرج من القطاع (18) في صافر مارب، ويضخ عبر أنبوب بطول (322) كيلو الى ميناء بلحاف في شبوة.
الدبلوماسي الفرنسي وأثناء اللقاء قال إن هذا توجه الدول الكبرى لتأمين مصالحها في اليمن، حيث لا يخفى ما قد يتسبب به توزع المحافظات النفطية على اكثر من إقليم من عراقيل وصعوبات ليس اقلها التعامل مع أكثر من سلطة محلية وامنية، فضلا عن أهمية ذلك من خلال الجانب الفني والتقني التي تدعم صحة المقترح الفرنسي.
ومع تزايد الحديث مؤخرا عن اعتزام توتال الفرنسية استعادة نشاط منشأة بلحاف وتصدير الغاز المسال، يبرز التساؤل المهم حول خطورة انفصال الجنوب على المصالح الدولية في اليمن،اذا ما أخذنا مشروع بلحاف نموذج حيث سيتم في حال انفصل الجنوب التعامل مع سلطتين في مارب وأخرى في شبوة، وكيف سيتم التعامل مع كل سلطة على حدة، وكيف ستقبل دولة كبرى مثل فرنسا هذا الوضع.
في عام 2021م وأثناء اشتداد الهجوم الحوثي على مارب، قال السفير الفرنسي في اليمن جان ماري صفا لصحيفة الشرق الأوسط السعودية: إن سقوط مأرب سيشكّل فاجعة سياسية وإنسانية، كان القلق الفرنسي نابعا من الخوف على المصالح الاقتصادية وعلى رأسها مشروع تصدير الغاز المسال في بلحاف القادم من مارب.
وتاكيدا على التمسك بذات الرؤية الفرنسية التي قدمت لمؤتمر الحوار الوطني في 2013م، قال السفير الفرنسي في ذات الحوار مع صحيفة الشرق الأوسط السعودية حول موقف فرنسا بشأن انفصال الجنوب: إن مسألة الجنوب مسألة حساسة سوف يتم تناولها في إطار حوار في المستقبل، لكن فرنسا متمسكة بوحدة اليمن وسلامته.
التحرك الغربي وعلى رأسه فرنسا لإعادة تصدير الغاز المسال من منشأة بلحاف المتوقفة منذ بداية الحرب كان متوقعاً بعد الأزمة الروسية الأوكرانية وتوقف أوروبا عن استيراد الغاز الروسي الذي يغطي 40٪ من احتياجاتها من الغاز، لذلك فإن أزمة الإمداد التي حدثت في الطاقة وخصوصاً مادة الغاز دفعت بالغرب للبحث عن بدائل جديدة.
وينظر الفرنسيون لفصل الجنوب على انه تهديد لأهم مشروع لهم في اليمن وهو تصدير الغاز المسال في بلحاف،وسيشكل خطورة على مصالحهم المتمثلة في بقاء مأرب وشبوة ضمن دولة واحدة تحت سلطة واحدة.
ولا يخفى تأثير تداخل السياسة بالجغرافيا والاقتصاد حيث أصبحت المصالح هي من ترسم الخرائط، وحتى إذا ذهبنا جدلا إلى رؤية أكثر انفتاحا، فإن مأرب (الشمالية) لايمكن ضمها للجنوب في حال انفصاله وهو مايعني تسليمها للحوثيين ووصول إيران لمنابع النفط والغاز.
وعلى فرضية قبول فرنسا بقاء المحافظات النفطية شمالا وجنوبا تحت سيطرة دول التحالف فكيف سيكون موقف المجلس الانتقالي المطالب بالانفصال، وهل ستكون المصالح الدولية الكبرى في اليمن حائلا أمام تشطيره ولو من باب المصالح وتقاطعها.
ويصل المخزون النفطي في اليمن إلى نحو 11.950 مليار برميل، في حين يصل إجمالي المخزون الغازي إلى نحو 18.283 تريليون قدم مكعبة. وبدأ اليمن إنتاج وتصدير الغاز الطبيعي المسال عام 2009.