الصبّار توحّش من العطش: تعميق مفهوم الوطن الواحد، ورفض مشاريع ما دون الدولة (تحليل في العيد 35 للوحدة)

🟢 يواجه المواطنون في الجنوب، القهر برفع الوعي، والهتاف باسم الدولة، في تحدٍّ صريح لواقع القمع والخوف
🟢 من ساحة العَروض إلى ساحة الوعي... تحوّل في رمزية المكان والموقف
🟢 لقد خاض الناس التجربة، وخرجوا بخلاصة : أن مشاريع ما دون الدولة لا تنتج إلا مزيداً من العنف والانقسام
🟢 الوحدة لم تعد مجرد ذكرى، بل صارت مشروعاً عملياً للخروج من مستنقع التشظي والفوضى
🟢 تعمقت القناعة الشعبية بأن لا دولة إلا بهزيمة الانقلاب الحوثي
مقدمة
في الذكرى الخامسة والثلاثين للوحدة اليمنية، لا يبدو المشهد مجرد تذكير بحدث تاريخي، بل أشبه بانفجار وعي جماعي صامت، يخرج من أعماق الشارع الجنوبي، متحدّياً آلة القمع، ورافعًا صوته الحر، كصرخة صبّار توحّش من العطش. لقد جرّبت الناس كل أشكال التيه، من الشعارات المناطقية إلى سلطات ما دون الدولة، إلى رفض تام لانقلاب مليشيات الحوثي.
وها هي اليوم تعود إلى بوصلة الدولة الواحدة، والمشروع الوطني الجامع.
🟢 أولًا: الهجوم المعنوي" رغم الانهيار
المفارقة الكبرى في اللحظة الراهنة أن الشارع في المحافظات الجنوبية والشرقية المحررة يعيش حالة معنوية هجومية رغم الانهيار الكامل في مستوى الخدمات، وانقطاع المرتبات، وسطوة مليشيات الأمر الواقع. لقد اختارت الناس المقاومة بالوعي، لا بالاستسلام. وبات المواطنون في عدن، ولحج، وأبين، وحضرموت، يواجهون القهر برفع الوعي، والهتاف باسم الدولة، في تحدٍّ صريح لواقع القمع والخوف.
🟢 ثانيًا: من ساحة العَروض إلى ساحة الوعي... تحوّل في رمزية المكان والموقف
واحدة من أبرز تجليات التحول الشعبي تمثّلت في ما شهدته ساحة العروض، في قلب عدن، خلال الأيام الماضية. فهذه الساحة نفسها كانت قد شهدت عام 2017 رفع علم الاجتزاء الجغرافي، وتأسيس المجلس الانتقالي بوصفه حاملاً لما عُرف حينها بتطلعات الجنوبيين. لكن اليوم، يعود الشارع إلى ذات الساحة، لا للاحتفال، بل للاحتجاج، ويرفض ذلك الرمز الذي أصبح عنواناً للخداع السياسي والقمع الأمني.
لقد خاض الناس التجربة، وخرجوا منها بخلاصة صلبة: أن مشاريع ما دون الدولة لا تنتج إلا مزيداً من العنف والانقسام. لم يعد المواطن في المحافظات الجنوبية والشرقية يرى في تلك الرموز أي أفق للخلاص، بل بات يراها امتداداً للأزمة، وأداة للهيمنة والبطش، لا أداة للتمكين والعدالة.
🟢 ثالثًا: سقوط سرديات "ما دون الدولة" في وعي الشارع
إن ما نراه اليوم هو تآكل سرديات الكيانات الطارئة في الوعي الشعبي. لم تعد المشاريع المناطقية تملك الجاذبية القديمة، بعد أن اختبر المواطنون واقعها الفعلي: الانفلات الأمني، غياب العدالة، قمع الحريات، وانعدام الأفق السياسي. لقد اتّضح للجميع أن تلك الكيانات لا تمثّل سوى سلطات أمر واقع، تتغذى على القمع وتعيش على تفكيك المجتمع.
🟢 رابعًا: من الحنين إلى القناعة... الوحدة خيار حياة لا شعار
لقد تحوّل المزاج الشعبي من مجرّد حنين رومانسي إلى الوحدة، إلى قناعة صلبة بها كطريق خلاص. الوحدة لم تعد مجرد ذكرى، بل صارت مشروعاً عملياً للخروج من مستنقع التشظي والفوضى.
كل التجارب الكيانية التي نشأت خارج إطار الدولة انتهت إلى خيبات كبرى، بينما الدولة الواحدة، رغم جراحها، تبقى الأمل الوحيد لمستقبل جامع وآمن.
🟢 خامسًا: عيد الوحدة... احتفالٌ مكبوت لكنه حاضر في الضمير
في الذكرى الخامسة والثلاثين للوحدة، ورغم التضييق الأمني والقمع الميداني، كانت ملامح الاحتفال واضحة في عدن وباقي المحافظات الجنوبية والشرقية. رُفعت الأعلام في الخفاء، ورددت الشعارات في المسيرات المطلبية، وسُمعت هتافات النساء والأطفال في الشوارع تهتف لليمن الكبير. لقد فشلت "مليشيات الأمر الواقع" في قمع الضمير الشعبي، لأن الوجدان قد حسم أمره، وقرر التمسك بالدولة.
🟢 سادسًا: وعي متقدّم يسبق النخبة
أثبت الشارع في المحافظات الجنوبية والشرقية أنه يسبق النخب السياسية بمراحل. لم ينتظر توجيهاً من أحد، بل تحرّك بدافع الحاجة، والكرامة، والانتماء.
هذه الحركة الشعبية ليست موسمية، بل تعبير عن تراكم وعي جمعي، يرى أن لا خلاص إلا في الدولة، ولا دولة إلا بوحدة الوطن، وعدالة التوزيع، وشراكة القرار.
هذه القناعات الشعبية تبني في أعلى صرحها ضرورة التوجه الجاد والحاسم لهزيمة الانقلاب الحوثي واستعادة الدولة والجمهورية كجزء من مشروع الوحدة اليمنية:
🟢 سابعاً: تعميق القناعة الشعبية بأن لا دولة بلا هزيمة للانقلاب الحوثي.
في ظل هذه التحولات الجذرية التي يشهدها الشارع في المحافظات الجنوبية والشرقية، تبرز قناعة آخذة في التجذر: أن هزيمة الانقلاب الحوثي ليست معركة المحافظات الشمالية وحدها، بل معركة مصيرية لكل اليمنيين، وأن استعادة الدولة والجمهورية لا يمكن أن تتم إلا في إطار مشروع وطني جامع، يتجاوز المناطقة والهويات الجزئية.
لقد أدرك الشارع، بوعيه المتنامي، أن أخطر ما يواجهه اليمن اليوم ليس فقط الانقلاب الحوثي ولا سلطات الأمر الواقع، ولا الأزمات المعيشية الطاحنة، بل الخطر يكمن في تفتيت فكرة الدولة ذاتها. وتبيّن أن كل محاولات بناء كيانات منفصلة لم تفعل سوى تسهيل مهمة سلب السيادة وتعطيل معركة الخلاص الوطني.
واخيراً:
تعمق في الوجدان الشعبي اليمني، أن الوحدة اليمنية لم تعد مجرد قيمة سياسية، بل صارت أداة عملية لاجتثاث مشروع الإمامة، وهزيمة الانقلاب، وإسقاط كل مشاريع ما دون الدولة.
إن المعركة من أجل الجمهورية، ومن أجل الدولة، ومن أجل الإنسان، تبدأ من توحيد الصف، وترسيخ وحدة الأرض والهوية والمصير.
الصبّار، حين يتوحش من العطش، لا يطلب الماء، بل يخلق حوله بيئة مقاومة للجفاف. الوعي الشعبي اليوم هو صبّار الوطن، نبت من قلب القهر، وازهر في زمن الخذلان. قرر أن لا يموت عطشاً، بل أن يروي الوطن بالتمسك بالدولة الواحدة، ورفض مشاريع ما دون الدولة.