نكبة21 سبتمبر.. الخطيئة التي لا تغتفر

مانشيت - بلقيس :

في مثل هذا اليوم، قبل 8 سنوات، انقلبت مليشيا الحوثي على الدولة، واجتاحت العاصمة صنعاء، وتسلّطت على رقاب اليمنيين، وجعلت الأجيال الجديدة تشاهد عصر الإمامة بحذافيره، من تجهيل، ونهب، واختطاف، ومرض، وقتل خارج القانون.

ثماني سنوات، ارتكبت فيها المليشيات أبشع الجرائم، من القتل المتعمد، والاختطافات، والتعذيب، والتجهيل، وتفجير المنازل، والسطو على ممتلكات المواطنين، وعاش فيها اليمنيون تحت سلطة القهر والغلبة والعنف المفرط، والنهب والجبايات والحرمان من أبسط الحقوق.

وفي المقابل، كان مشروع المقاومة، واستعادة الدولة أضعف من اللحظة التاريخية، وكانت النُّخب السياسية والعسكرية أوهن من أن تقود راية الجمهورية إلى بر الأمان.

- نكبة في تاريخ اليمن

في هذا السياق، يقول الكاتب والباحث السياسي، نبيل البكيري: "إن الـ21 من سبتمبر ذكرى أليمة ونكبة في تاريخ اليمن المعاصر، ولا أعتقد بأن اليمنيين كانوا بحاجة لمثل هذه النكبة لمعرفة خطورة هذه السلالة الكهنوتية، بقدر الحديث الذي كان يقال ويردد عن الإمامة خلال 50، والذي ذهب أدراج الرياح".

ويرى أن "سنن التاريخ شاءت بأن يتذوق الجيل، الذي نسي وغفل ثورة الـ26 من سبتمبر، المرارة التي تذوق منها الأجداد والتي على إثرها ثاروا ضد الإمامة، ونبذوها وأزالوها عن حكم اليمنيين".

واعتبر ما حصل، خلال الـ8 سنوات الماضية، كفيلا ليس فقط بمقارعة هذه المليشيات الحوثية، بل بإنهاء ونفي هذه الفكرة إلى ما لا نهاية، ومسحها من ذاكرة وتاريخ اليمن.

وقال: "لو كنا ظللنا نتحدث عن الإمامة لألف عام، لن نتمكن من الوصول إلى ربع توصيف حقيقة وقبح هذه السلالة كما هي اليوم موجودة ومكشوفة على الأرض".

ولفت إلى أن "منذ فجر ثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962م وحتى فجر الانقلاب في 21 سبتمبر 2014، لم يعرف اليمنيون أي معنى للكرامة، وأي معنى للظلم والاستبداد والقهر، كما عاشوه خلال الـ8 السنوات الماضية في مناطق سيطرة المليشيات".

وأضاف: "حتى كلامنا اليوم مهما امتلكنا من البلاغة والبيان والسحر لا نستطيع أن نوضح ربع الحقيقة الموجودة على الأرض، فالواقع يحكي، واليمنيون اليوم شاهدوا ماذا تعني الإمامة، من فقر ومرض وجهل، بل أضيف لها اليوم كل سوءات الأخلاق الموجودة في النفس البشرية، التي مثلت اليوم تمثيلا واضحا وجليا من خلال ممارسات مليشيا الحوثي بحق اليمنيين".

وأشار إلى أن "مليشيا الحوثي لا أحد يستطيع التعامل معها لا بمنطق ديني ولا بمنطق سياسي ولا قبلي، وهي جماعة تجردت من كل القيم الإنسانية والدينية والأخلاقية، وأصبحت أمام اليمنيين عارية من كل هذه القيم".

وقال: "كان هناك شبه دولة، ومجتمع حي يقاوم انحرافات السلطة، وقاومها وحاول إصلاحها من خلال ثورة الحادي عشر من فبراير، ولكن ما بعد الانقلاب الحوثي أنا باعتقادي كفيل بإعادة الاعتبار لكل قطرة دم بذلها الشهداء الأبطال في سبتمبر وأكتوبر وكل ثورات اليمن".

وحتى لا تتحول جرائم المليشيات بحق الشعب اليمني، إلى ملف من ملفات المقايضة السياسية، التي قد يلجأ إليها الإقليم أو حتى المجتمع الدولي، يرى البكيري أنه "يجب رصد هذه الجرائم وتوثيقها وتحويلها إلى ملفات حقوقية يتم التخاطب فيها مع المنظمات الدولية كمنظمة العفو الدولية، ومنظمات حقوق الإنسان، التي ما إن تصلها هذه الملفات تقوم بالتحري والتحقيق فيها، وتحويلها إلى رأي عام دولي".

وأضاف: "لأن المسار السياسي متضعضع، وهو انعكاس لحالة الفشل الموجودة في المسار العسكري، يجب أن يظل المسار الإنساني مسارا مستقلا من خلال التوثيق والرصد ومتابعة هذه الملفات في محكمة العدل الدولية".

- الدور الحكومي

من جهته، يقول مدير مكتب حقوق الإنسان الحكومي في أمانة العاصمة، فهمي الزبيري: "إن وزارة حقوق الإنسان تقوم بتلقي البلاغات والشكاوى وتقوم بعمليات الرصد والتوثيق في مختلف المحافظات، وأنها رفعت العديد من الملفات الحقوقية التي وصلت إلى المنظمات الدولية".

وأوضح أن "عقوبات صدرت بحق شخصيات حوثية متورّطة في جرائم حقوق الإنسان، وهذه العقوبات لم تصدر من فراغ، وإنما نتيحة لعمليات رصد وتوثيق متواصلة من قِبل المنظمات"، مشيرا إلى أن "هناك قصورا في جانب الرصد، بسبب امتناع الضحايا عن الإدلاء أو الإفصاح عمّا يتعرضون له من انتهاكات بسبب القمع في مناطق سيطرة المليشيات".

وقال: "إذا فتشنا اليوم في كل أسرة داخل اليمن على امتداد الأرض اليمنية لما وجدنا أسرة واحدة لم تتعرّض إما لقتل خارج القانون أو اختطافات أو تعذيب أو ابتزاز أو نهب أموال أو عمليات تهجير قسري وتفجير للمنازل، أو عمليات تجنيد للأطفال، منذ أن جاءت هذه المليشيات رافعة شعار المظلومية والجرعة، واليوم تجرّع الشعب اليمني مرارة المعاناة".

وأضاف: "كل من يريد اليوم أن يرفع صوته أو يتحدّث عن تلك الشعارات التي رفعتها المليشيات أثناء انقلابها على الدولة، يتم تعذيبه واختطافه والتنكيل به، بينما قادة المليشيا ومشرفوها يبنون القصور والشركات والامبراطوريات الاقتصادية".

وأوضح أن "الشعب اليمني اليوم أكثر وعيا وإدراكا بحقيقة هذه المليشيات، التي لم يكن يعرف عنها، والتي جاءت حاملة نظرية الاصطفاء الإلهي، لا تؤمن بالديمقراطية، ولا بالتعددية السياسية، ونسفت مبدأ المواطنة المتساوية، وهدمت كل مؤسسات الدولة، والثوابت الوطنية، وحرفت المناهج، وغيّرت الهوية الدينية والوطنية بما يتوافق مع معتقداتها السلالية الطائفية".

- الجريمة الكبرى

في هذا السياق، يقول رئيس منظمة سام للحقوق والحريات، توفيق الحميدي: "ما يمكن أن نقوله باختصار إن الـ21 من سبتمبر هو الجريمة الكبرى التي فتحت باب كل الشرور التي مسّت اليمنيين فيما بعد على كافة المستويات، السياسية والاقتصادية وحقوق الإنسان".

وأضاف: "بل إنها الخطيئة الكبرى التي تمت بإسقاط الدولة اليمنية، والخطيئة التي لا تغتفر على مدى التاريخ، لأن الدولة هي الملجأ والحصن، والأرضية التي يمكن أن يختلف الناس حولها، ويتحاورون على أرضيتها، ويتفقون أو يختلفون، لكنها تظل المظلة التي تحفظ الحقوق والحريات، وتصون الكرامات، وتضع الحدود، ويشعر الإنسان بالأمان حتى وإن كان مختلفا معها".

وتابع: "عندما جاءت مليشيا الحوثي في الحادي والعشرين من سبتمبر من خارج الدولة لتسقط الدولة، وجعلت اليمنيين عراة لا حامي لهم ولا ملجأ، وعملت خلال الـ8 سنوات على فكفكة المجتمع ببنيته الاقتصادية والثقافية، والاجتماعية، والتعليمية والسياسية، وتحاول إعادة بناء وترتيب المجتمع بما يتناسب مع أفكارها وثقافتها وهويتها واتجاهتها، ولاحظنا هذا الأمر على مستوى الملبس، وحتى على مستوى الصحة الإنجابية".

وفي حديثه عن دور المنظمات الحقوقية في رصد تلك الانتهاكات، قال الحميدي: "رغم الجهود التي تبذل والتحدّيات التي واجهناها في الميدان، خلال رصد وتوثيق هذه الانتهاكات، إلا أننا قطعنا شوطا كبيرا، مع وجود اختلالات كبيرة جدا في عملية المنافسة على الظهور الإعلامي، وحصر العمل الحقوقي في مسار إلى مسارين بالكثير".

وأشار إلى أن "هناك الكثير من المنظمات تعلن عن أرقام مهولة، مثلا أن تقول بأنها رصدت 80 ألف انتهاك، وهذا الخطاب عندما يصل إلى المجتمع غير العربي بدرجة أساسية فهو يكون أمام أمرين، إما أن يتصوّر بأنه أمام منظمة عالمية أشبه بالأمم المتحدة فيها جيش من الموظفين، تلقوا وحللوا وحققوا في 80 ألف حالة بلاغ، ولديها 80 ألف حالة مليئة بالمعلومات المطلوبة، وفي الحقيقة هذه المنظمات لم ترصد سوى ثلاث إلى أربع حالات مع اختلالات كبيرة".