مأساة اسمها "المجلس الانتقالي"

يبدو أنه من الحكمة التساؤل اليوم عن مصير "المجلس الانتقالي الجنوبي" الذي يصبح أسداً ويمسي حملاً وديعاً ، ويمسي أسداً ثم يصبح حملاً وديعاً مرة أخرى ، وهذه لعمري ديناميكية غريبة لم نجدها في مكونات سياسية في تأريخنا الحديث إلا في الأحزاب الشكلية التي كان ينشئها نظام صالح أثناء فترة حكمه لأجل حجز حصصاً في اللجان الانتخابية ، ثم تختفي هذه الأحزاب حتى الموسم الانتخابي التالي لتعاود الظهور ، ولازلت أتذكر أن أحد هذه الأحزاب كان اسمه حزب "الخُضر" على غرار الأحزاب في الدول المتقدمة التي تهتم بقضية البيئة والحفاظ عليها .

"المجلس الانتقالي الجنوبي" يبدو أنه تم تشكيله لغرض مشابه لأحزاب صالح الشكلية ، لكن الأخطر في المسألة أن هذا المجلس نسب نفسه لقضية مصيرية تخص شعب الجنوب بأكمله ، فيما يعمل المجلس لما أنشئ من أجله ، وخلاصة ما انشئ لاجله  أن يصبح أداة سياسية لبعض الأجندة الخارجية تستطيع عبر التحكم به من تحقيق مكاسب تخص أجندتها هي ،  فيما الشعب الذي يتظاهر المجلس بتمثيله ليس له في المعادلة قيمة ، ولا لتطلعاته وطموحاته وزنا .

الصورة المتكررة أنه بين عشية وضحاها وبإيحاء من الممول والمتحكم يعاود "المجلس الانتقالي الجنوبي" نشاطه ويوهم البسطاء أنه على بعد أمتار من تحقيق أحلام الشعب ، وتتحرك ماكينته الإعلامية بأقصى سرعتها وكأنها تسابق الزمن لتصل للغاية ، وتتحدث القيادات بمصطلحات ثورية على غرار "التغيير الوشيك" و "التصعيد" و "المرحلة الجديدة" ، وينام الناس مستعجلين بزوغ الفجر ليرون كيف ستبدو هذه المرحلة الجديدة .

هذا ما يبدوا ظاهراً للعيان ، لكن في الغرف المغلقة يستخدم الممول كل هذه الاستفاقة كورقة يلعب بها لتحقيق أجندته التي تخصه لاغير ، وبيده "الريموت كنترول" الخاص بهذا المجلس ، وتبدأ مرحلة المساومات المرتبطة برفع أو خفض التوتر ، وعند الوصول لمرحلة ما يرضاها "الممول المتحكم" يتم استعادة الوضع الافتراضي ، وهو بهذه الحالة العودة لوضع "السكون" ، بانتظار تعليمات جديدة .

في الواقع  يستفيق الناس فجأة على واقع مكرر لايشابه الصورة التي ناموا موعدين بها ، ويتأكدون أنهم خُدعوا للمرة الألف ، وأن من يعمل وكيلاً لغيره يصعب عليه أن يمتلك قرارات مصيرية لانه ببساطة لا يمتلك قرار ذاته ، و "فاقد الشئ لايعطيه" بكل تأكيد .

تتكرر هذه المأساة بشكل ممل ، ويفقد هذا "المجلس" كثيراً من مؤيديه في كل جولة تصعيدية يخوضها تثمر نتائج يجنيها الممولون لاغير ، ويقف الشعب متفرجاً محبطاً لأنه ببساطة وبسبب ما مر به من آلام تعلق بهؤلاء "الشقاة" عند غيرهم ، وكل يوم تمر تنكشف الأقنعة أكثر ، وتظهر الحقائق واضحة ، وغداً لا مكان فيه لمن جعل قضايا شعبه أوراقاً وهبها لغيره ، وإن غداً لناظره قريبُ . 

دمتم سالمين ..

*خاص بـ"مانشيت"

مقالات الكاتب