نحو توطين الصناعة النفطية في اليمن

تعد الصناعة النفطية من اهم الصناعات في تعزيز اقتصادات الدول نظرا لضخامة العائد المادي لهذه الصناعة ولكثرة القطاعات الاقتصادية التي تتاثر وتؤثر فيها

من هنا تاتي اهمية توطين الصناعة النفطية بشكل اكبر قدر المستطاع والتوطين هنا يعني السعي لجعل كل مدخلات هذه الصناعة مدخلات محلية وذلك يشمل الكادر البشري والتكنولوجيا المستخدمة والخدمات النفطية والمعدات والمواد اللازمة لهذه الصناعة

ويشمل التوطين للصناعة النفطية ايضا مخرجات الصناعة النفطية من نفط خام وغاز ومشتقاتهم والتوطين هنا يعني السعي لجعل عائدات هذه المنتجات في اعلى مستوياتها وذلك بالاستفادة من ادخال الصناعات التحويلية وتاثير القيمة المضافة للمنتجات باقامة صناعات معتمدة على هذه المواد الاولية.

تضع الكثير من الدول خططاً استراتيجية مزمنة لتوطين الصناعة بشكل عام والصناعة النفطية بشكل خاص فعلى سبيل المثال وضعت المملكة العربية السعودية ضمن رؤيتها الجديدة ٢٠٣٠ هدفا طموحا لتوطين صناعة الطاقة بشكل عام بنسبة ٧٥٪؜ بحلول عام ٢٠٣٠ وكذلك تفعل الكثير من الدول.

لتتضح الصورة بشكل اكبر حول مفهوم التوطين ساتناول كل محور من المحاور آنفة الذكر بشي من التفصيل وبيان كيفية جعله وطنيا بشكل كبير.

المحور الأول: مدخلات الصناعة النفطية

١. الكادر الوطني

الكادر الوطني سواء الفني او الإداري هو الركيزة الاساسية لقيام صناعة وطنية قوية يعود اثرها بالنفع على المجتمع والاقتصاد الوطني ككل

يجب ان تولي الوزارة والشركات الوطنية اهمية قصوى لتاهيل الكوادر النفطية واكسابهم المهارات والمعارف المطلوبة لادارة وتسيير اعمال القطاع النفطي في مستوياته الادارية العليا والاستراتيجية ومستوياته الفنية

القطاع النفطي بحاجة الى برنامج وطني تشرف عليه الوزارة وتلزم به الشركات الوطنية يهدف للعمل بشفافية كاملة لاختيار قيادات نفطية وطنية وتاهيلهم بالدورات وفرص التطوير اللازمة عالميًا ليكونوا على مستوى الكوادر في الشركات العالمية والسوق النفطية الدولية

يجب أن يكون الهدف هو تاهيل الكادر الوطني اكثر مما هو التخلص من الكادر الأجنبي لان النظر للموضوع بانه مجرد ارقام واستبدال الأجانب بمواطنين دون حصولهم على المؤهلات اللازمة يودي إلى كوارث وضعف في الاداء ينعكس سلبا على الشركات والقطاع النفطي بشكل عام.

٢. التكنولوجيا

توطين تكنولوجيا الصناعة النفطية يتطلب تعاون وثيق بين الوزراة وهيئاتها المختلفة مع الجامعات ومراكز الابحاث الوطنية لدراسة احدث التكنولوجيات المستخدمة في صناعة النفط والغاز ومحاولة تطويرها وتحسينها ياتي ذلك من خلال ربط ابحاث التخرج لطلاب الهندسة من بكالريوس ودراسات عليا بمشاكل القطاع النفطي ومحاولة ايجاد حلول علمية لاشكالات واقعية وهذا داب كل الجامعات في دول العالم المتقدم مما يخلق واقعية اكثر على ابحاث طلاب الجامعات بدل ان تكون مجرد ابحاث وهمية لاشكالات متخيلة لا تمت للواقع باي صلة

٣. الخدمات النفطية

تتطلب الصناعة النفطية كثير من الخدمات الجانبية سواء فنية او لوجستية او طبية او اجتماعية مما يطلب وجود شركات مقاولة متخصصة تغطي هذه الجوانب

في الواقع ان وجود شركات خدمات وطنية موهلة وقادرة على تقديم الخدمة المطلوبة بكل احترافية هو جزء مهم من توطين الصناعة النفطية بدل الاعتماد على الشركات الاجنبية

يجب ان توجد استراتيجية وطنية لتوطين كل الخدمات النفطية المطلوبة وتقليل الاعتماد على الشركات الاجنبية في هذا الجانب واثر ذلك واضح على الاقتصاد الوطني

سيكون التحدي في جانب الخدمات الفنية التي تتطلب قدر عالي من الخبرة ووجود الكادر المتخصص ولكن ومع وضع استراتيجة واضحة واهداف محددة وحصر مثل تلك الخدمات الفنية سيتم احراز تقدم من خلال إلزام الشركات  المقاولة الوطنية كجزء من العقود بتوظيف كادر اجنبي موقتا لنقل المعرفة للكادر الوطني خلال فترة زمنية محددة.

يعني ذلك ان على الوزارة ان ترشح شركات وطنية موهلة لتقديم الخدمات الفنية العالية وتشترط عليها نقل المعرفة لكادر وطني من خلال جلب كادر اجنبي وتدريب الكادر الوطني وتجهيزه بكل الشهادات والدورات المطلوبة خلال فترة معينة.

٤. المعدات والمواد اللازمة للصناعة النفطية:

تعد المعدات والمواد المستخدمة في الصناعة النفطية والمستهلكات من اكثر البنود التي تتحملها ميزانيات الشركات الوطنية العاملة في مجال النفط والغاز ولذلك فان توطين هذا الجانب يعود بالنفع الكبير على الاقتصاد الوطني ويعني التوطين هنا حصر المعدات والمواد المطلوبة من قايمة مشتريات الشركات النفطية والتنسيق مع القطاع الخاص الوطني للتشجيع على الاستثمار في انتاج مثل تلك المعدات والمواد لتغطية طلب قطاع النفط والغاز المحلي وهذا الأمر يتطلب تعاون وثيق بين وزارة النفط ووزارة الصناعة وفق استراتيجة وطنية تشرف عليها رئاسة الوزراء وتعطي لها كافة التسهيلات والقوانين اللازمة لخلق بيئة تنافسية بين شركات القطاع الخاص الوطني.

في هذا الجانب خطت كثير من الدول الخليجية والعربية شوطا رائعا فعلى سبيل المثال في ليبيا أواخر عام ٢٠٢٣ تم تدشين برنامج لتوطين مواد ومعدات النفط بين وزارة النفط ووزارة الصناعة والمعادن وجهاز البحوث التطبيقية والهندسية التابع لوزارة الدفاع ومستثمرين وطنيين ووضع خطط للاستثمار في صناعة المواد والمعدات اللازمة للصناعة النفطية.

المحور الثاني: مخرجات الصناعة النفطية:

يعتبر انشاء صناعات تحويلية تعتمد على المنتجات البترولية كمدخلات يعزز مداخيل الدول من مواردها النفطية ويؤسس لبيئة صناعية متكاملة تكون رافعة مستدامة للاقتصاد الوطني. تنبهت كثير من الدول المجاورة لاهمية مثل ذلك الامر فقامت بانشاء شركات وطنية صناعية تعتمد على المنتجات النفطية كمواد خام لإنتاج البتروكيماويات والمشتقات النفطية والبوليمرات وغيرها، تعد شركة سابك السعودية ابرز النجاحات في هذا المجال وفي الكويت فقد اقر مجلس الامة الكويتي اواخر عام ٢٠٢٣ انشاء الشركة الكويتية للصناعات التحويلية المتقدمة بعد مقترح من نواب كويتيين لتوطين صناعة المشتقات النفطية.

اننا في اليمن في امس الحاجة إلى بدء خطوات عملية نحو استراتيجية وطنية تتبناها وزارة النفط والمعادن وبالتنسيق مع وزارة الصناعة والجهات ذات العلاقة للدفع نحو توطين الصناعة النفطية بصورة شاملة ومنها يمكن الانطلاق مستقبلا لبرنامج وطني تحت اشراف رئاسة الوزراء لتوطين الصناعة بشكل عام.

مقالات الكاتب