بالذل جعلونا نؤدي صلاة المازوت وصلاة الطائرة

لم نكن في يوم من الأيام في حالة من الذل والهوان كما نحن عليه اليوم، ها نحن بعد عز وشموخ اصبحنا نعيش الانكسار والخنوع، وبعد أن كنا مضرب الأمثال في الكرم والكبرياء عند غيرنا من شعوب العالم، فاننا اليوم نستجدي لقمة لنسد بها شئ من جوعنا، وننحي امام الغير من أجل شربة ماء لنروي بها شئ من عطشنا، ونتسول للحصول على قطرة وقود لتنير للحظات بيوتنا..

لم يصل شعب حضرموت في يوم من الأيام، منذ أن نشأ على هذه البسيطه الى ماهو عليه من حال، ولم تكن الشعوب والأمم تعرف الحضرمي الا بصفات سامية، وخصال حميدة، فأستحق بها أسلافنا ما وصلوا اليه من مجد وعلياء، وكسبوا بها احترام الأمم وتبجيلها وتهيبها..

اليوم أصبحنا رهن السلال الغذائية، ويتقاسم الأجنبي ولاءاتنا بدراهم معدودة، ويتفضل علينا كل قليل فضل وعديم مرؤة بما يبقينا على قيد الحياة، فقط لنعيش وليس لشئ آخر، بل اننا بلغنا من الذل والهوان، الى حد اننا نصطنع الفرح الكاذب، ونمارس الرقص عند كل ذبحة لكرامتنا..

كم هو مؤلم وذابح للنفس أن يخرج الحضرمي ليرقص عندما يمارس عليه الغير الاذلال تحت مسمى الدعم، ويغني عندما يتفضل عليه الغير بما هو حق أصيل له، وكأن هذا الغير يقول لنا اشكرونا لاننا أكرمناكم بالعبودية..

في هذا الزمن الأغبر، وجد من استطاع أن يجعل الحضرمي الذي كان لأجداده فضل نشر الدين الحق، وكان لهم فضل في انتقال أمم كاملة من عبادة العباد الى عبادة رب العباد، بأن جعلونا اليوم شعب منسلخ عن دينه وقيمه وتأريخه، وصرنا كعابدي الأوثان، بأن نمارس مايشبه الطقوس التعبدية عند وصول سفينة تحمل قليل من الوقود، أو وصول طائرة بائسة الى مطارنا المشلول، ونحن من نملك كنوز الدنيا، وكل واحد منا يسير وتحت قدميه حقول من النفط، ولدينا من الثروات مالا تملكه دول عظمى..

لم نبلغ كل هذا القدر من الهوان الا بعد أن تخلينا عن كرامتنا، وارتضينا المذلة على ايدي الغير، وصارت منشئاتنا معطلة، وثرواتنا محبوسة، وكلمتنا مفرقة، وصفوفنا ممزقة، فصرنا أسهل على الغير في الامعان في اذلالنا، ولم يبقى الا ذلك الحلم في صدور الأحرار، الحلم بالخلاص من هذه الحال، والانعتاق من هذا الوضع المزري، ولن يتحقق هذا الحلم النبيل الا بجهد يجب أن يبذل، وحركة يجب أن تحدث في الضمائر والعقول، جهد وحركة تهتز لهما السماء والأرض، تهتز السماء بكلمة الحق التي يجب علينا اعلائها، وتهتز الأرض بالفعل والممارسة لرفض مايمارس علينا من قبل الغير، الغير القريب والبعيد، وأن نقول لهم جميعهم كفى، فما هكذا يعامل الكرام، وأهل حضرموت كرام وأعزاز، ان وعدم تحركنا فهو استمراء للمذلة، فكما هو معلوم ان كثير من الطباع مكتسبة، وعندما يألف الانسان الذل يصبح مطبوعا عليه، ومن يرتضي الذل فانه قد أصيب بالعطب، ومن أصيب بالعطب فلا يستحق العيش، ويصبح باطن الأرض خير له من ظهرها.

مقالات الكاتب