قراءة متأنية في سياسة النَفَس الطويل

يتحدث الناس باستفاضة عن تأخر الحسم النهائي للحرب مع الانقلابيين في اليمن ، ويشكل تأخر الحسم واستعادة العاصمة أبرز النتائج التي ينتظرها اليمنيون بصبر لايخلو من التضجر أحيانا .

في المجمل تمكن اليمنيون بدعم سخي من التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية حتى الأن من استعادة أجزاء واسعة من البلد تزيد عن الثلثين في أقل التقديرات ، ورغم الويلات التي يقاسيها اليمنيون بسبب الحرب مع الانقلابيين فإن ثمة نتائج مرضية من الناحية العسكرية تم تحقيقها ، وفي انتظار استكمال انهاء الانقلاب واستعادة الشرعية فإن الخيارات التي تلوح في الافق أن أمامنا الكثير من الوقت للوصول إلى نقطة النهاية  .

ومع كون خطوة استعادة العاصمة "ضربة معلم"  تصب في مصلحة استعادة الشرعية شعبياً ونفسياً على الأقل لكنها من الناحية العسكرية محكومة باستراتيجيات ومحددات متشابكة وعميقة يتتداخل فيها العسكري بالسياسي وجوانب أخرى متعددة .

وفي التفاصيل فإن تأخر إستعادة العاصمة صنعاء من قبل القوات المسلحة المدعومة بقوات التحالف له أسباب رئيسية مع التأكيد إن إمكانية الحسم واستعادة العاصمة ممكنة في الوقت الحالي وممكنة جداً .

العاصمة في أي بلد هي الراس المحرك والمدينة الأهم سياسياً وفي حال انتقال السيطرة فيها الى غير الدولة فيعني ذلك سقوط الدولة ، حتى ان ظلت الأطراف أو المحافظات الأخرى تحت السيطرة ، والعكس بالعكس ، فاستعادة العاصمة من قبضة أي انقلاب هو بمثابة اللحظة الأخيرة لهذا الانقلاب ، واستعادة الأطراف مهمة لاحقة .

في سبتمبر 2014 انقلب الحوثيون على الدولة واسقطوا في أيديهم العاصمة صنعاء واسقطوا رسمياً الدولة بمعناها الرمزي والسيادي ، ولاحقاً تدخل التحالف العربي بعد طلب الرئيس الشرعي المساعدة في استعادة الشرعية ، وبالتالي فإن استعادة الشرعية الكاملة لابد أن يشمل استعادة العاصمة من أيدي الانقلابيين .

وبحسب ما تلا من خطوات  فيكمن القول أنه كان أمام التحالف وقتها خيارين للقيام بتنفيذ المهمة  :

 

الخيار الأول : الانطلاق من الراس للأطراف .

وبموجب هذا الخبار يتم الذهاب لاستعادة العاصمة في المرحلة الأولى عبر فتح منفذ للهجوم على الانقلابين (عبر مارب أو صعدة مثلاً) وإعادة الكيان الشرعي للدولة في العاصمة ، ثم التحرك الى المحافظات لاستعادتها ، وايجابيات هذا الخيار أنه سهل وسريع ، ويفيد في حال كون الانقلابيين مجموعة صغيرة ، ومنحصرة تواجدا وتسليحاً ونفوذاً في العاصمة ، لكن في حال كون الانقلابين جماعة كبيرة ويتوزع أفرادها وسلاحها في العاصمة والمحافظات فإن هذا الخيار سيقضي على الانقلاب لكن لن يقضي على الانقلابيين ، وسيجعل تدخل التحالف محدوداً ينتهي بإستعادة العاصمة وإعادة النظام السياسي الشرعي ، ويتحمل النظام المركزي الشرعي المستعاد مسؤلية استعادة الأطراف

 

الخيار الثاني : الانطلاق من الأطراف للراس .

ويقضي هذا الخيار  بالتحرك عسكرياً لاستعادة المحافظات بشكل تدريجي وترك العاصمة للمرحلة الأخيرة ، وهذا الخيار رغم أنه يأخذ وقتاً طويلاً وجهوداً كبيرة إلا أنه يحقق القضاء على الانقلابين بشكل تدريجي (أفرادً وتسليحاً)  في المحافظات ، ثم اسقاط رمزية الانقلاب في العاصمة أخر المطاف ليكون هذا الحدث هو ختام العمليات العسكرية .

 

ولاجل أن تتضح الصورة فإن التحالف العربي والشقيقة السعودية يسيرون في خط استعادة الشرعية  باجندة عديدة تحت العنوان الابرز  وهي في الأول  والأخير  أجندة مقبولة جداً تصب في مصلحة البلد والإقليم عموما وأهمها :

1- التخلص من الأسلحة الثقيلة وأهمها الصواريخ البالستية التي انتقلت لحوزة الانقلابين ، وتم تخزينها في مواقع متفرقة من البلد وهي تشكل تهديداً لهذه الدول .

2- التخلص من القلق الذي يحدثه الانقلابيون الحوثيون في المنطقة عبر إضعافهم عسكرياً وسياسياً وبشرياً ، وخاصة بالنظر لحالة العداء القائم من ايران السعودية ، واستخدامهم للحوثين كأداة لفرض اجندتهم في المنطقة بشكل عام ، وهذه الأجندة تشكل خطراً على السعودية واليمن  بالتأكيد .

في العودة لشأن توقيت استعادة العاصمة فإنه وبحسب الموازنة بين خيارات استعادة العاصمة وبين اهداف التحالف العسكرية من التدخل في اليمن فيظهر جلياً أنه اختار الخيار الثاني ، والمتمثل باستعادة المحافظات ثم الوصول للعاصمة في نهاية المطاف ليحقق اهدافه وأهمها المذكورة أنفاً ، وهذه الاستراتيجية تحتاج لوقت ونَفَس طويلين ، والعمل بتأني لازالة بؤر وتهديدات الانقلابيين بشكل دقيق ومركز ونهائي ، والبحث المتأني عن الاسلحة الثقيلة التي تشكل مصدر تهديد للجارة السعودية تحديداً والسيطرة عليها أو قصفها واتلافها ، وهذا بالتأكيد لن يتحقق في حال الوصول للعاصمة واستعادتها مبكراً إذ يجب وقتها ان يتوقف التدخل العسكري للتحالف ، ولن يكون حقق من أهدافه التي تدخل لأجلها إلا استعادة الشرعية بطريقة هشة تنذر بسقوطها من جديد .

وفي الحديث عن مدى صوابية أهداف التحالف من عدمه ، واقصد الاهداف فالواقع يجيب علينا بشكل صارخ أن من حق أي دولة ازالة مصادر التهديد التي تقلقها ، وهذا أعده من اوجب واجبات أي حكومة تجاه شعبها وأرضها ، كما أنه ليس من الحكمة والعدل ان تحتوي اليمن على أي مصدر تهديد للجارة السعودية  ، ومن حقها ان نسمح لها بإزالة مصادر التهديد ، وهذا موقف اخلاقي قبل أي توصيف أخر  .

عودةً للحديث عن استعادة العاصمة فما يمكن تأكيده هو أن التحالف حدد خياراته بالبدء باستعادة المحافظات وتحقيق الأهداف العسكرية التي ذكرتُ أهمها أنفاً ، وسيكون لديه الوقت الكافي لتحقيقها مادام العالم والاقليم والشرعية في حالة انتظار لتحقيق الهدف الأكبر من وجهة نظرهم والمتمثل باستعادة الشرعية ، وكتقييم لهذه الاستراتيجية فهي بالتأكيد ناجحة من الناحية العسكرية ، وللتحالف الحق في انتهاجها مادام يرى انها الاصلح لتحقيق أهدافه وستفضي في الأخير لتحقيق هدف الشرعية التي تحته تم طلب تدخل التحالف من قبلها .

 

الأثار والمعالجات ، هل هي مجدية ؟

اختيار التحالف لاستراتيجية النفس الطويل والعمل لاسقاط الانقلاب من المحافظات له عدة أثار تشمل جوانب عديدة عسكرياً وسياسياً وإنسانياً واجتماعياً عمل التحالف على معالجة بعضها ولازالت بعض الأثار بانتظار التدخل ، ومن الحكمة حالياً التركيز على إزالة الأثار السلبية لتخيف كلفة الحرب على اليمنيين شعباً ومقدرات وكيان اجتماعي ، ومن الانصاف القول أن هناك جهوداً تبذل في هذا الشان من قبل دول التحالف العربي ، وخاصة المملكة العربية السعودية ، ويتربع الجهد الإغاثي لها راس سلم هذه المعالجات .

دمتم سالمين ..

مقالات الكاتب